أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى أنه “لم نكن لنتوقّع خلاف ما تقرّر من موقف في جلسة مجلس النوّاب بشأن مناقشة رسالة رئيس الجمهوريّة ميشال عون، وهو الحثّ على تشكيل حكومة بأسرع ما يمكن، لأنّ وضع لبنان واللبنانيّين على خطورته الشديدة لا يتحمّل أي تأخير، ويقتضي تجنّب اي كلام يزعزع الثقة ويعرقل المسيرة ويضرّ بالمصلحة الوطنية”.
وأكّد، في عظة الأحد، أنّه “لم تَعُد الأعذارُ تُقنِعُ احدًا ولا الذرائعُ تبرِّرُ استمرارَ تعطيلِ تأليفِ الحكومة وكأنَّ التشكيلَ في إجازةٍ مديدة”، مشيراً إلى أنّ “هذا الجمود قاتل للدولةِ والمواطن ويجبُ أن يَتوقّف”، ولافتاً إلى أنّه “لقد استَنزف المسؤولون الدستورَ حتى جعلوا نصَّه ضِدَّ روحِه، وروحَه ضِدَّ نصِّه، والاثنين ضِدَّ الميثاق”، متسائلاً: “أيُّ دستورٍ يُجيزُ هذا التمادي في عدمِ تأليفِ حكومة؟ وأيُّ صلاحيّاتٍ تَسمحُ بتعليقِ مؤسّساتِ الوطن؟ وأيُّ مرجعٍ قانونيّ أو دستوريّ يُبيحُ التنافسَ على التعطيل؟”.
ودعا مباشرةً الرئيسَ المكلَّف سعد الحريري “إلى المبادرةِ، نعم إلى المبادرة، وتقديمِ تشكيلةٍ محدَّثةٍ إلى رئيسِ الجمهوريّةٍ في أسرعِ وقتٍ ممكِن، والاتفاقِ معه على الهيكليّةِ والحقائب والأسماء على أساس من معاييرِ حكومةٍ من اختصاصيّين غير حزبيّين لا يُهيمن أيُّ فريقٍ عليها. وإذا لم يَتّفِقا في ما بينهما”، مؤكداً: “فليستَخْلِصا العِبرَ ويتّخذا الموقفَ الشجاعَ الذي يُتيحُ عمليّةَ تأليفٍ جديدة”.
وتأسّف الراعي “للاشتباك الذي حصل على أتوستراد نهر الكلب بين بعضٍ من اللبنانيّين والنازحين السوريّين المتوجّهين إلى صناديق الإقتراع الرئاسيّ. وسببه الاستفزاز لمشاعر اللبنانيّين في منطقة تعجّ بشهداء سقطوا في المعارك مع الجيش السوري، وفيما لا يزال ملفّ المعتقلين في السجون السوريّة مجهولًا”، مشيراً إلى أنّ “لبنان قام بأكثر من واجباتِه حيالَ النازحين السوريّين وهم شعبٌ شقيق. وتَقاسَمَ اللبنانيّون وإيّاهُم المسكَنَ والمأكلَ والمشْربَ والمدرسةَ والجامعةَ والعمل. ليس مقبولًا أن يبقى النازحون السوريّون هنا بانتظارِ الحلِّ السياسيِّ الناجزِ للأزمةِ السوريّة. فكما رَفضْنا ربطَ أمنِ لبنان بحربِ سوريا، نرفضُ اليومَ ربطَ مصيرِ لبنان بالحلّ السياسيّ فيها”، مؤكداً: “لسنا بلدَ انتظارِ نهايةِ صراعاتِ المنطقة. فلا المنطقُ ولا تركيبةُ لبنان التعدّديةُ يسمحان بذلك”.
وتابع، في عظته: “بقدْرِ ما كان واجبُ لبنان احتضانَ النازحين السوريّين أثناء الحرب، بات واجبُ النازحين اليومَ أن يعودوا إلى بلادهم، وقد انْحسَرت الحربُ وتوسَّعت المناطقُ الآمنة وصاروا مواطنين سوريّين عاديّين لا نازحين. هذا واجبُهم لا تجاهَ لبنان فقط، بل تجاه وطنهم سوريا أساسًا التي تحتاج إلى أبنائها ليُعيدوا بناءَها وليُحافظوا على هُوِّيتِها الوطنيّةِ والعربيّة”، مؤكداً: “إنّ دعوتنا هذه لا تنمُّ عن أيِّ روحٍ عَدائية، بل عن شعورٍ بالمسؤوليّةِ تجاه وطنِنا لبنان. لم يَعد هناك مُبرِّرٌ لبقاءِ نحوَ مليونِ ونصفِ مليونِ نازحٍ، ومنافستِهم اللبنانيّين في كلِّ المناطق على لُقمةِ العيشِ والعملِ والتَسبُّبِ بجزءٍ من فَلتانِ الأمن والجريمة”.
وطالب، في هذا الإطارِ “الدولةَ السوريّة أن تتفهّمَ الوضعَ اللبنانيَّ وتَفتحَ جدّيًا بابَ العودةِ الآمنةِ والكريمة لمواطنيها. ونُطالبُ الدولةَ اللبنانيّةَ، بأن تتَّخذَ الإجراءات العمليّةَ لتحقيقِ هذه العودةِ الآمنةِ سريعًا، فلا يكفي التصريحُ بذلك من دونِ تنفيذِ خُطّةٍ لإعادةِ النازحين”، مطالباً أيضاً “منظّمة الأمم المتّحدة العمل على إدارة وجودهم في لبنان وإدارة إعادتهم إلى وطنهم سوريا”.
وختم الراعي بالتأكيد أنّه يرغب “حقّاً بعيش الأخوّة الإنسانيّة على أساس من العدالة والحقيقة والإحترام المتبادل والسلام في كلّ أبعاده”.