جاء في “الشرق الأوسط”:
مع الأزمة الاقتصادية الاجتماعية المتفاقمة في لبنان التي أدت إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ارتفعت الأصوات المطالبة بزيادة الرواتب، فيما أظهرت دراسة قامت بها «الدولية للمعلومات» أن هذا المطلب، تحديداً من قبل العاملين في القطاع العام الذين سبق أن أعلنوا إضراباً ليومين، وإن كان محقاً، فإن هناك استحالة في تحقيقه لأنه يؤدي إلى مزيد من التضخم.
وفي تقريرها، لفتت «الدولية للمعلومات» إلى مطالبة العاملين في القطاع العام بزيادة رواتبهم وأجورهم وتحسين قدرتهم الشرائية التي تآكلت بفعل التضخم وارتفاع الأسعار وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، مشيرة إلى أنه ليس هناك إحصاء رسمي دقيق حول عدد العاملين في مؤسسات الدولة لأسباب عدة منها تعدد التسميات الوظيفية، وأوضحت أن هذه التسميات تتراوح بين «موظف ومتعاقد وأجير ومتعامل، وغيرها»، لافتة إلى أن «الرقم يقدّر بنحو 320 ألفاً يتوزعون: 120 ألفاً في القوى الأمنية والعسكرية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وشرطة مجلس النواب، و40 ألفاً في التعليم الرسمي، و30 ألفاً في الوزارات والإدارات العامة، و130 ألفاً في المؤسسات العامة والبلديات، ويضاف إلى هؤلاء نحو 120 ألفاً من المتقاعدين أكثريتهم من العسكريين والمدرسين».
وذكّر التقرير بأنه لدى إقرار سلسلة الرواتب (زيادة الرواتب) في عام 2017، كانت كلفة العاملين في القطاع العام نحو 8300 مليار ليرة (نحو 5.3 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي). وبعد إقرار السلسلة وإجراء توظيفات جديدة لنحو 9 آلاف موظف وزيادة الرواتب بفعل زيادة سنوات الخدمة، أصبحت كلفة رواتب وأجور العاملين والمتقاعدين حالياً نحو 12 ألف مليار ليرة سنوياً، أي ما كان يوازي 8 مليارات دولار، أي نحو 1000 مليار ليرة شهرياً، وهذه الكلفة المرتفعة تشكل نسبة 86 في المائة من إجمالي واردات الدولة اللبنانية البالغة نحو 14 ألف مليار ليرة.
ولفت التقرير إلى أنه «نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون تراجعت قدرتهم الشرائية بنسبة 85 في المائة، خصوصاً الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم وأجورهم بالليرة اللبنانية»، مشيراً بذلك إلى أن «تصحيح الرواتب والأجور وتحسين القدرة الشرائية مطلب محق وضروي، فلا يمكن لأحد العمل بأجر زهيد لا يساوي كلفة المعيشة سوى لبضعة أيام، ولكن زيادة الرواتب في القطاع العام تواجه صعوبات كثيرة».
ويلخص التقرير هذه الصعوبات بـ«ضخامة عدد العاملين، فقبل أي زيادة يجب خفض عدد العاملين ربما إلى النصف، وهذا الأمر مستحيل في ظل الأوضاع الحالية وعدم توافر فرص عمل وارتفاع في نسبة البطالة»، معتبراً أن «أي زيادة لا توازي قيمة التضخم الحاصل تكون دون جدوى، وبالتالي لو تم اعتماد نصف نسبة التضخم أي 43 في المائة فإن كلفة الزيادة قد تصل إلى 5000 مليار ليرة، لتصبح الكلفة الإجمالية للعاملين في القطاع العام نحو 17 ألف مليار ليرة، أي ما يشكل نسبة 120 في المائة من واردات الدولة».
ولفت إلى أن «هذه الزيادة يفترض أن تتم تغطيتها، إما من خلال فرض الضرائب والرسوم، وهذا غير ممكن في اقتصاد منهك ومدمر، وإما من خلال الاستدانة وزيادة الدين العام الذي ناهز 97 مليار دولار، وحتى هذه الاستدانة غير ممكنة، لأن المصارف لم تعد تملك السيولة الكافية فتصبح الاستدانة من مصرف لبنان هي الحل، وهذا يعني مزيداً من التضخم وتآكل القدرة الشرائية».
انطلاقاً من كل ذلك، يخلص التقرير إلى أن «مطلب الزيادة محق وضروري، ولكن هناك استحالة في تحقيقها، لأنها قد تؤدي إلى مزيد من التضخم وتآكل القدرة الشرائية وتحقق عكس ما هو مأمول منها».
مع العلم أن الحد الأدنى للأجور في لبنان كان محدداً بنحو 675 ألف ليرة (450 دولاراً وفق سعر الصرف السابق 1500 ليرة للدولار)، لينخفض اليوم إلى نحو 50 دولاراً مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى نحو 13 ألف ليرة.