كتب أحمد عبد العزيز الجارالله في “السياسة” الكويتية”:
للمرة الأولى في تاريخ لبنان الرسمي يسقط رئيس الجمهورية في الامتحان الذي انتخب لأجله وهو أن يكون “الحكم والمؤتمن على الدستور، والمؤسسات”، فيُحرَج من حيث أراد إحراج رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ويوجه إليه مجلس النواب، بأغلبيته المطلقة، رسالة غير مباشرة أنه بات بحكم “المعطل” وبالتالي أصبحت شرعيته الشعبية محل شك.
رغم كل الملاحظات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، على أداء العهد العوني- الباسيلي، لكن الحقيقة التي وضعها الحريري أمام الناس، قبل النواب،وهي أن “رئيس الجمهورية يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل، وبانتظار أن يكون له ما يريد، يعطل الدستور، ويعطل الحياة السياسية في البلاد، والأخطر من ذلك، يعطل أي أمل أمام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع الذي يعيشونه جميعاً”.
وهذا يفرض على اللبنانيين التمعن طويلاً بما ستصل إليه بلادهم إذا لم يخرجوا على المتحكم بالتعطيل الحقيقي وهو “حزب الله”، سعياً الى فرض صهر عون رئيساً للجمهورية، كي يستمر في الهيمنة على لبنان عبر نظام حكم ضعيف ما يسهل له الإفلات من العقاب على تدخله الإرهابي في الدول العربية، إضافة الى إبقائه على لبنان مصدراً لتهريب المخدرات، وآخرها الكمية الضخمة التي كانت مصدرة إلى مصر بعدما أفشلت دول الخليج مخططه لتدمير شبابها بهذه الآفة.
نعم، على اللبنانيين أن يدركوا جيداً بعد هذا المنعطف الكبير الذي أحدثه سعد الحريري في كلمته المدوية بمجلس النواب أن الرجوع إلى الوراء بات مستحيلاً، إذا هم نزعوا خوفهم من كابوس الحرب الأهلية التي يلوِّح به المستفيدون من استمرار الوضع المتدحرج بسرعة إلى انهيار قد يزول معه لبنان، فالصراع اليوم لم يعد بين تيارين سياسيين، أو خلاف على وزارة بالزائد أو الناقص، بل هو بين شر مطلق يمثله تيارعون – باسيل وخير أكيد يسعى إليه شرفاء لبنان، أو أقله استقرار يلتقط فيه الشعب أنفاسه كي يعود إلى طبيعته التي عُرفت عنه منذ الأزل.
ممارسات عون لم تقف عند حدود تعطيل مؤسسات الدولة، بل لم يسبق لرئيس جمهورية أن تعمد قطع خيوط لبنان مع محيطه العربي، حتى في عز الحرب الأهلية، مثل ما فعل الرئيس الحالي وبتهجمه على دول الخليج، وفي مقدمها السعودية، راعية “اتفاق الطائف” لإعادة تركيب النظام السياسي بما يتناسب مع لبنان المأمول.
صحيح أن الحكم مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وفقاً للدستور، وليس هناك توزيع مناصب بين المذاهب والطوائف، لكن للأسف أن اللاعب الإرهابي المتحكم باللعبة السياسية، سعى الى ابتداع صيغة المثالثة التي تحولت عرفاً منذ دخل “حزب الله” الحياة السياسية لأنه يسعى إلى فرض هيمنة عددية تتيح له إعادة تركيب الحكم اللبناني وفقاً لرؤيته الطائفية.
باتت اليوم الصورة واضحة للجميع الذين عليهم أن يعلموا أن لا الدول العربية ولا الغرب وأوروبا، والبنك الدولي، سيقدمون أي دولار للبنان اذا استمرت مافيا النهب بعيدة عن العقاب، أو تمترس رئيس الجمهورية وصهره خلف بدعة ما يسمى “الثلث المعطل”، التي أخرجتها الفذلكة السياسية اللبنانية، لذلك فإن الحل الوحيد أمام هذا الشعب هو الثورة على غرار الثورات الأوروبية التي أنهت المزاوجة بين حكم الكنيسة وحكم العصابات، التي دفعت الى عهود من الظلام والخوف والأوبئة والحروب الأهلية.