كتبت إيفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
هل يعيد التاريخ نفسه ويأكل مالكو الأبنية المؤجّرة الضرب مجدداً. أوجه الشبه بين الامس واليوم كثيرة لا سيما انهيار سعر الصرف الذي كان السبب الرئيسي لانهيار قيمة الإيجارات القديمة. ويتخوف المالكون من إقدام مجلس النواب مجدداً كما فعل منذ 38 عاما على إصدار قانون استثنائي يمنع رفع أسعار الإيجارات، لذا يدعون الى التوقّف عن التأجير لخدمة السكن أو غير السكن طالما لم تحرّر أملاكهم القديمة. فهل نكون امام أزمة سكن في الأيام المقبلة؟
انتشرت أخيراً ظاهرة إرسال المالكين إنذارات الى المستأجرين بالاخلاء في حال قاربت مدة عقودهم التأجيرية على الانتهاء والمحدّدة بثلاث سنوات، وذلك خشية تكرار تجربة المالكين القدامى الذين رغم مرور حوالى 40 عاماً على تأجيرهم للمباني القديمة لم يتم إنصافهم بعد، وهم لا يزالون يتقاضون ايجارات بخسة تبدأ من 50 الف ليرة شهريا، فكيف الحال اليوم مع انهيار سعر الصرف؟ أما المالكون الذي ينطبق عليهم قانون الإيجارات الجديد وانطلاقاً من مقولة «ما مِت ما شفت مين مات» يتحركون اليوم تخوفاً من ان يلقوا المصير نفسه كأسلافهم بعدما فقدت الإيجارات الجديدة من قيمتها نتيجة انهيار سعر الصرف. على سبيل المثال، انّ ايجار منزل محدّد بـ300 دولار سابقاً لا يزال يقبضه المالك على سعر صرف 1500 ليرة بما يساوي 450 الفاً فيما تساوي هذه القيمة اليوم ما بين 25 الى 30 دولاراً، فهل بإمكان المالك أن يعيش من هذا المبلغ في حين ارتفعت أسعار السلع 900%؟
لكن، وفي المقلب الآخر للمشهد، يعاني المستأجرون أيضا الضائقة الاجتماعية، وبالتالي ان أي زيادة في العقود التأجيرية ستكون لها انعكاسات اجتماعية كارثية على آلاف المستأجرين الجدد والذين يقدّر عددهم وفق ارقام وزارة المالية الصادر عام 2018 بـ 92.301 مستأجراً لوحدة سكنية و87.089 لوحدة غير سكنية.
هذه المعضلة التي عادت الى الواجهة أشعلت السجال مجددا بين المالكين والمستأجرين الذين أعلنوا عن رفضهم التام لأي زيادة على الإيجارات ولا حتى باعتماد سعر المنصة 3900 ليرة لتحديد تسعيرة الايجار.
في المقابل، دعت نقابة مالكي العقارات والابنية المؤجرة كل المالكين للامتناع عن تجديد العقود التأجيرية لخدمة السكن أو غير السكن وذلك عند انتهاء مدة الثلاث سنوات، طالما الدولة لم تحرّر بعد املاكهم القديمة في الإيجارات غير السكنية.
في السياق، يقول رئيس نقابة مالكي العقارات والابنية المؤجرة باتريك رزق الله لـ«الجمهورية» انّ دعوة النقابة هذه أتت انطلاقاً من أن المالك لا يزال يقبض حتى اليوم 50 الف ليرة فقط كثمن ايجارات من المباني القديمة غير السكنية، امّا الإيجارات الجديدة بالعملة اللبنانية فما عادت تساوي شيئاً، اما تلك المسعّرة بالدولار فيرفض المستأجرون تسديدها بهذه العملة وقد رضينا بذلك، انما يكمن الخلاف حول أي سعر صرف نتقاضى الايجار؟ نحن نرفض اعتماد تسعيرة 1500 ليرة للدولار بينما الدولار في السوق الموازي يقترب من 13 الفاً، في المقابل يصرّ محامو المستأجرين على التسديد وفق سعر 1500 ليرة وهم بذلك يدفعوننا للدخول في نزاعات قضائية لا تنتهي. انطلاقاً من ذلك أتت مناشدتنا للمالكين بعدم تجديد العقود التأجيرية، اذ لا يعقل ان يتحمّل المالك الإيجارات القديمة التي لا قيمة لها وتسعير الايجارات الجديدة وفق سعر صرف 1500 ليرة فالمالك بهذه الطريقة يكون قد تأذّى من الجهتين: الإيجارات القديمة والجديدة.
لذلك نحن نطالب الدولة اليوم، إمّا بالسماح لنا بتقاضي بدل الايجار وفق سعر المنصة أي 3900 ليرة، او بدعم قيمة الإيجارات على غرار دعمها لبعض السلع.
وأكد رزق الله ان لدى المالكين اليوم مخاوف مشروعة من تكرار تجربة الإيجارات القديمة، لذا نحن نعتبر ان رفض التأجير بالمطلق اوالتمنّع عن تجديد الايجار هو حق مشروع لعدة أسباب، أبرزها: ان التجربة مع القضاء في هذه الملفات غير مشجعة البتة، كما ان تجربة الإيجارات القديمة لا تزال ماثلة امامنا، وحتى التجربة مع المستأجرين غير مشجعة، ومتى تسلمنا المأجور علينا إجراء إصلاحات في المسكن ستضاهي كلفتها ثمن الايجار على مدى عام او اكثر اذا ما احتسب وفق سعر الصرف في السوق السوداء، فالايجار بالكاد يشتري «حنفية». لذا نحن كنقابة ندعو المالكين الى عدم التأجير في هذه الفترة خصوصاً ان الدولة اللبنانية غير قادرة على حماية المؤجرين، وغير قادرة على الالتزام ببنود الدستور بحماية حق الملكية.
وأعرب رزق الله عن خشيته من تكرار تجربة الإيجارات القديمة عندما عقدت عام 1984 جلسة لمجلس النواب مدّدت بموجبها عقود الإيجارات تحت حجة الحرب والأوضاع المعيشية المتردية لمدة عام، وسجل في تلك السنة بدء انهيار الليرة اللبنانية امام سعر صرف الدولار اما الاستثناء فنَصّ يومها على الآتي: تمدد عقود الإيجارات من دون زيادات نظرا للظروف المعيشية التي تمر بها البلاد. وللأسف فإنّ هذا الاستثناء استمر من عام الى آخر حتى مضى عليه 40 عاماً. وذكّر انه عام 1992 أقدم رئيس الحكومة يومها رفيق الحريري على اصدار القانون 160 / 92 وقد صوَّت عليه مجلس النواب لإعطاء المالكين زيادات اعتبرت يومها كبيرة بحيث رفعت الايجار من 25 ليرة لأنه ما عاد لليرة وجود الى 10 آلاف ليرة مع العلم انّ ثمن المنقوشة يومها كان 1000 ليرة، بما معناه ان الزيادة كانت بخسة.
أما اليوم فيخشى المالكون ان يجتمع مجلس النواب مجددا ويصدر قرارا مشابها بمنع فرض أي زيادات على الإيجارات المعمول بها حالياً او ان يبقي احتساب الإيجارات على سعر صرف الـ1500 ليرة وهذه أيضا ستكون ضربة قاضية لنا. فالايجارت المسعّرة بالليرة اللبنانية أصبحت بخسة. على سبيل المثال، إيجار قيمته 450 الف ليرة (كانت تساوي 300 دولار) باتت تساوي اليوم حوالى 35 دولارا وفق سعر صرف يقارب الـ13 ألف ليرة. ومن حدّد عقده التأجيري بالدولار يعاني الامر نفسه، اذ لا يستطيع أن يعترض إذا اقدم المستأجر على وضع إيداع فعلي لدى كاتب العدل بقيمة سعر صرف 1500 ليرة سوى الدخول بنزاعات قضائية لن تنتهي قبل سنوات، وستكون كلفة هذه النزاعات وبدل اتعاب المحامي أكثر من ثمن المأجور نفسه.
وأوضح ردا على سؤال انه في حال لجأ المالك الى رفع كلفة الايجار بالدولار فرضاً الى 700 او 800 دولار ليقبضها بما بين المليون والمليون و200 ليرة اذا ما احتسبت وفق سعر صرف 1500، يقول رزق الله ان المشكلة تكمن في كون سعر الصرف متقلب جداً فماذا لو ارتفعت خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهي مدة العقد الإلزامية، الى 17 الفاً او 25 الفاً او اكثر عندها سيكون المالك مَغبوناً مجددا. لذا برأينا ان الحل الأمثل هو التوقف عن التأجير ريثما يثبت سعر الصرف.
وأسف رزق الله انّ هذه التجربة السيئة ستدفع المالكين او المستثمرين الى وقف أي مشاريع بناء مستقبلية بهدف الايجار، وهذا ما سيدفع ثمنه الشباب الذين سيكون امامهم خيار وحيد، إما شراء شقة او لا مسكن.