كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
إختار راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك عصام درويش، أن يترك بصمة نهائية إحتفاءً بيوبيله الاسقفي الفضي، ولكنها لم تخلُ من الجدلية التي أثارها في عدة مراحل من ولايته الأسقفية التي شارفت على طي صفحتها.
فقبل “الإنتقال الى مرحلة جديدة من حياته” إفتتح درويش مساء السبت الماضي الأقسام المستحدثة بمطرانية سيدة النجاة، مطلقاً لها دوراً جديداً في المدينة. فدشن بحضور البطريرك يوسف العبسي ورعاية رئيس الجمهورية ميشال عون، الأقسام المستحدثة في المطرانية، بدءاً من المتحف البيزنطي للأيقونات، الى حديقة الأساقفة في باحة المطرانية الخارجية، والى قاعات وممرات وصالونات المطرانية التي إزدانت بأيقونات ورسومات نفذها فنانون أوكرانيون، وأخيراً مكتبة سيدة النجاة. هذا المكان الذي جهز على مستوى مكتبات أرقى الجامعات العالمية، وسيكون ملتقى ثقافياً وحضارياً يسمح لكل باحث بإستخدامه، مع قدرة على الإتصال بكبرى مكتبات الجامعات العالمية. بالإضافة الى تحميل كتبه إلكترونياً، تسهيلاً لمهمة أي باحث يقصدها. وقد إنضمت ايضاً الى مجموعات المكتبة المقدرة بنحو 15 الف كتاب، مئات الكتب من قراءات الراحلين السفير فؤاد الترك وعميد كلية الإعلام انيس مسلم، بعد ان قررت عائلتاهما منح المكتبتين للمطرانية.
اللافت في الإحتفالية غياب الوجه السياسي الزحلي وخصوصاً الكاثوليكي لنواب وفعاليات المنطقة، في مقابل تمثيل الوزير سليم جريصاتي لرئيس الجمهورية. ويأتي هذا التمثيل بعد الزوبعة التي أثارها ترشح الأخير لإنتخابات المجلس الاعلى للروم الكاثوليك، والجبهة الزحلية الكاثوليكية التي تشكلت لمنع وصوله لنيابة الرئاسة، والتي إنتهت بالإطاحة بهذا المجلس وأنهاء دوره. فحضر جريصاتي، الذي قلما يزور زحلـــــة بغير مناسبة رسمية، وغابت كل الوجوه الكاثوليكية المستوطنة في المدينة، والمعنية مباشرة بالتركة التي سيخلفها المطران درويش فيها.
لم يغتنم المطران درويش “إحتفالية يوبيله” فرصة أخيرة لردم هوة التوتر التي سادت علاقته مع معظم الطبقة السياسية في المدينة. وبدلاً من ذلك خلفت الإحتفالية حججاً إضافية لتحفظات “زحلية” على أدائه، كان بعضها قد وصل الى مسامع الفاتيكان من خلال مراسلات طالبت بإقالته المبكرة.
ولعل أبرز تلك التحفظات وأعمقها، كانت مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريم سكاف، التي لم تتوان عن تناوله بخطابات نارية في إحياء ذكرى رحيل زوجها رئيس الكتلة الراحل الياس سكاف بأكثر من مرة، وقد إستحكم الخلاف معه بعد إتهامه بالتدخل في الإنتخابات، الى حد محاولة سكاف عرقلة المتحف البيزنطي الذي إحتفل يوم السبت بتدشينه.
تكر سبحة علاقات المطرانية المتوترة مع الفاعليات الزحلية، وخصوصاً الكاثوليكية منها، وقد شكلت بعض صروح المطرانية شواهد عليها. وكان آخرها الجدل الذي أثير حول مستشفى تل شيحا مع نواب المنطقة ووزراء حاليين وسابقين.
يعترف المطران درويش بهذه العلاقات المتوترة. ويقول في كلمته بإحتفالية يوبيله “الناس لم يفهموني على حقيقتي، ربما لأني لم أعتبر التعبير عن ذاتي من أولوياتي، وربما لأني كنت أفكر وأعمل بطريقة لا تتلاءم مع قناعات الكثيرين من حولي”.
وهذا التباعد في الاسلوب كما في القناعات، قد يكون وراء عدم نجاح درويش بسد الثغرة السياسية التي خلقها غياب الوزير الراحل الياس سكاف وتعويضها بتحويل المطرانية مرجعية دينية. فلم ينجح درويش رغم كل محاولاته بلعب دور الجامع. ولم يختبر هدوءاً وإستقراراً في العلاقات سوى مع السلطة المحلية الحالية المتمثلة بالمجلس البلدي. بعد أن عبر كل من درويش ورئيس البلدية اسعد زغيب عن إحترام متبادل بينهما.
وإنطلاقاً من هذا الواقع، وعلى رغم إعتراف الكثيرين بأن ما أنجزه المطران درويش في صرح المطرانية شكل نقلة نوعية، فإنه مع ذلك لم ينجُ من الجدل حوله. وقد وصف البعض حجم الميزانية التي أنفقت في “تحديث” المطرانية بميزانية إنماء مدينة بأكملها. ما دفع للتساؤل حول الجدوى من إنفاق كل المال في الحجر بينما البشر يجوعون.
هذا السؤال طرح على المطران درويش خلال جولة نظمها للإعلاميين في أرجاء المطرانية، فكانت إجابته بأن “كل ما تشاهدونه من مشاريع كانت من اصدقاء من خارج لبنان وليس من مال الزحليين ولا من مال الأبرشية”. مؤكداً بأن المطرانية “لم تهمل العمل الاجتماعي ومساعدة المحتاجين في زحلة، فطاولة يوحنا الرحيم تقدم يومياً ومجاناً 1500 وجبة طعام، والمطرانية تقدم بشكل دوري مساعدات غذائية، الى جانب عمل الجمعية الخيرية الكاثوليكية.”
يبقى انه أياً كانت ملاحظات البعض وتحفظاتهم على أداء درويش في فترة ولايته، فإن بصمته ستبقى حاضرة في النهضة التي خلفها في المطرانية الكاثوليكية بعاصمة الكثلكة في الشرق، والتي إعتبر البعض أنها لا بد أن تشكل دافعاً للمطالبة بإدراج كاتدرائية سيدة النجاة كما الصروح المستحدثة في المطرانية على خارطة السياحة الدينية في لبنان.