Site icon IMLebanon

الأحكام المسبقة وأفكارنا النمطية

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”: 

الكثير من الأشخاص الذين نصادفهم أو نتعرّف إليهم أو حتى من عائلتنا الصغيرة أو الكبيرة، يطلقون وبكل ثقة الاحكام المسبقة. والأحكام المسبقة ليست سوى طريقة سهلة وبسيطة وغير سوية للتكلم عن الآخر ووضعه ضمن «قالب واحد». وبعض الأحكام المسبقة تنهال على شعب معين وتنتهك كرامته، وهذا ما يجعل الاحكام المسبقة غير مقبولة إجتماعياً. فبعض الأشخاص، عندما نطلب رأيهم عن شعب معين، مثل اليابانيين، يجيبون وبدون تفكير: «يشبهون بعضهم البعض»، أو «يشربون كثيراً الساكي حتى الثمل»… وطبعاً هذا غير مقبول، لأنّ الشعب الياباني أولاً مختلف كثيراً من الناحية الفزيولوجية – الوجه. وثانياً، ليس جميعهم ثملون. فلمَ بعض الأشخاص يطلقون، وبدون تفكير، الأحكام المسبقة؟ وكيف يمكن مساعدة الشخص الذي يحكم على الآخر بدون معرفته جيداً؟

هناك الكثير من الأفكار النمطية التي نرددها بمزح أو بشكل جدي خلال يومياتنا. فبالرغم من أنّ هناك أحكاماً مسبقة غير مؤذية ككل الشعوب الاسكندنافية تتميز بالشعر الأحمر، ومن صفات الشعب الكوري الهدوء وحب الحياة، والشعب الإيسلاندي كله يتميز بصوت جميل… ولكن هناك أفكار نمطية أكثر «عنصرية» مثلاً: هذا الشعب قذر، أو هذا الشعب بارد عاطفياً أو مُمل، كسول، أو متعالٍ أو حتى هذا الشعب عدواني… كل هذه الأفكار النمطية خالية من الحجة والبرهان. فلا يمكن أن يكون جميع الافراد المكونة لهذا الشعب أو ذاك ممل أو عدواني او كسول. هذه هي الأفكار النمطية التي يمكن أن تؤدي إلى الأحكام المسبقة.

ما هي الأفكار النمطية؟

الفكرة النمطية، هي فكرة يكوّنها الإنسان أو يتلقاها. فمثلاً، شعوب شرق آسيا التي تشمل الصين واليابان وكوريا وهونغ كونغ وغيرهم من البلدان، يشبهون بعضهم بعضاً، هي فكرة نمطية تعتبر بأنّ هناك تشابهاً كبيراً بينهم كقطع النقود. ولأن في اللاواعي «يترجم» العقل كل ما هو «أصفر (لون البشرة)»، قصير القامة، شعر ناعم وعيون صغيرة… يعتبر هذا الشخص من «الشعوب الصفراء» ويراه الإنسان بأنه كتوأم لشخص آخر من بلدان شرق آسيا. وطبعاً هذه الفكرة ليست صحيحة لأنّ كل شعب لديه ميزاته الخاصة ولا يمكن أن يتشابهوا. فهناك يابانيون طوال القامة، وهناك الكوريون ذات لون بشرة بيضاء… ولكن سبب هذا التشابه الذي يميل إليه الإنسان هو «التفكير النمطي» الموجود في عقل الإنسان. فبالرغم من الصورة النمطية المنتشرة بين الناس بأن شعوب شرق آسيا يشبهون بعضهم، ولكن في حقيقة الأمر، أثّرت فيهم عوامل تاريخية وجغرافية وفيزيولوجية وجينية منحتهم خصائص معينة. وهذه الخصائص تختلف من شعب إلى آخر.

والجدير بالذكر أنه كما نجد الشعوب المذكورة يتشابهون كثيراً، هم أيضاً يرون العرق العربي متشابه أيضاً، كما لا يميزون بين الشعوب الأوروبية. والسبب هو «الأفكار النمطية» الموجودة في ذهن كل إنسان.

كيف تؤثر الأفكار النمطية في عقولنا؟

الأفكار النمطية أو Stereotype Ideas، هي «شيوع» فكرة بين الناس وتصبح ضمن يومياتهم بدون التأكد من صحتها لرفضها أو قبولها. فمثلاً: الشعب الإلماني هو شعب «عنصري». ربما يكون الكثير من الإلمان عنصريين (كأي شعب آخر)، ولكن هذا لا ينطبق على كل الشعب الإلماني. ولكن الفكر الإنساني يعمّم بعض الأفكار التي تصبح نمطية. فالفكرة النمطية موجودة عند كل إنسان، ولكن بدرجات متفاوتة بين مجتمع وآخر. ولا يمكن لأي شعب أن يتخلص بشكل مطلق من أفكاره النمطية الخاصة به، ولكن يمكن أن يحدّ من هذه الظاهرة الإنسانية ضمن مجتمعه.

من أين تأتي الأفكار النمطية؟

مصادر الافكار النمطية هي:

أولاً، قلة الثقافة بين الناس تؤدي إلى تداول أخبار غير صحيحة في معظمها وغير مؤكدة علمياً.

ثانياً، «المحدودية» في التفكير وعدم الحوار مع الآخر يؤديان إلى «تصلب» العقل، وبالتالي قبول كل الأفكار حتى لو كانت غير صحيحة. فالتربية والمدرسة والجامعة والإعلام… مصادر أساسية لتخفيف «ثقافة الافكار النمطية» من خلال الحوار وتعزيز التبادل الثقافي والإنفتاح نحو الآخر.

ثالثاً، بعض الشعوب تكون مهتمّة فقط بإنتاجها الإقتصادي ونشاطها السياسي وتبتعد عن «الإنسانية» وعن الثقافة. هذا الإبتعاد يغذّي الأفكار النمطية ويشجع شيوعها بين الناس.

وأخيراً، التقسيم النفسي للإنسان والمناخ الثقافي هما عاملان أساسياً لظهور الأفكار النمطية.

تقليص أفكارنا النمطية

يمكن القضاء نهائياً على الأفكار النمطية وأحكامنا المسبقة. فهذه مهمة ليست بالمستحيلة، ويمكن تحجيم وتقليص الأحكام المسبقة من خلال المهام التالية:

– التربية السوية المبنية على المساواة بين الإخوة والاخوات وبين الأصدقاء في المدرسة والأصحاب في الحي، وبالتالي بين جميع سكان البلد الذي ينتمي إليه الطفل وصولاً إلى تقبّل فكرة المساواة وتقبل الآخر مهما كانت جنسيته والبلد الذي ينتمي إليه.

– المدرسة تؤدي دوراً بارزاً في شيوع الافكار الثقافية وتقبّل الآخر من خلال برامجها التربوية والمناخ الذي يجب أن تبتكره لحضن الأفكار الإيجابية تجاه الآخر.

– للجامعة دور أساسي في تقليص الأفكار النمطية من خلال الحوارات وتحضير المؤتمرات حول هذا الموضوع. كما لأساتذة الجامعة دور اساسي في هذا المشروع من خلال تحضير ندوات عن الأفكار النمطية وتقبّل الآخر والإبتعاد عن الأحكام المسبقة.

– الإنسان أيضاً له دور بارز. فيجب أن يتقبّل فكر التعددية ولا يعني ذلك الإبتعاد عن العقلانية بل استعمال عقله في تحليل الأفكار النمطية التي تكون أكثرها، ليست تحت غطاء علمي ونتيجة علمية محتّمة. كما يستعمل بعض الأشخاص الأفكار النمطية (العنصرية بعض الأحيان) فقط لإظهار «قوتهم» أمام الآخرين. فالمشاكل النفسية وعدم قبول الذات وقلة ثقة بالنفس تساعد في انتشار الافكار السلبية أو الأفكار النمطية.

– والمسؤولية كبيرة أمام الإعلام القادر على إظهار الحقيقة وإلغاء الأفكار النمطية. فالبرامج المتلفزة، والحلقات الإعلامية على إذاعات الراديو والمقالات العلمية التي تُكتب على أساس علمي متين… كل ذلك يساعد في تحجيم شيوع الأفكار السلبية – النمطية التي يتداولها الناس فيما بينهم.

أخيراً وليس آخراً، لا يوجد «قالب» موحّد للأشخاص، أو تصرّف اجتماعي موحد بين كل الشعوب أو ذكاء مماثل بين كل سكان الأرض… كل إنسان مختلف تماماً عن أخيه الإنسان. ولكن الأفكار النمطية هي التي تجعلنا نقع في فخ التعميم. العائلة، المدرسة، الجامعة والإعلام… كلها مسؤولة عن التربية الصالحة التي تبعدنا عن الأحكام السابقة وعن أحكامنا المسبقة.