كتب منير الربيع في “المدن”:
يعتبر الرئيس نبيه أن الوقت حالياً مناسب جداً لتشكيل الحكومة، في المعايير الداخلية للخلافات القائمة. وعلى الجميع اقتناص اللحظة لئلا تضيع. وهو يضع مهلة أسبوعين كحدّ أقصى لتشكيل الحكومة، وإلا لن تتشكل.
فرصة الحريري
ويريد برّي من الحريري أن يستفيد من هذا الظرف، فيذهب بتشكيلة حكومية إلى قصر بعبدا، مؤلفة من 24 وزيراً بلا ثلث معطّل، مع إيجاده صيغة توافقية للوزيرين المسيحيين المختلف عليهما. على أن يُتفق على تسميتهما بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف.
لكن لماذا هذا التوقيت؟ لانه ما أُعطي للحريري لا يمكن لأحد أن يحصّله، وخصوصاً بعد إنقلاب نتائج جلسة مجلس النواب على رئيس الجمهورية، والخروج بتثبيت تكليف الحريري وإعطائه الزخم.
ويتلاقى برّي في طروحاته مع البطريرك الماروني الذي يطالب بدوره الحريري بالإقدام على هذه الخطوة، لأن التأخير ينقلب عليه سياسياً وشعبياً، وكذلك مسيحياً، بعد تداعيات جلسة السبت الفائت. فما ظهر يوحي باصطفاف سني شيعي ضد رئيس الجمهورية. وهذا يستدعي التفافاً مسيحياً حول عون. وهذا ما ظهر في موقف البطريرك الراعي، بدعوته الحريري إلى التوجه نحو بعبدا وتقديم تشكيلته.
بين الراعي وبرّي
وتكشف مصادر متابعة عن لقاء سرّي بين الحريري والراعي في إحدى كنائس بيروت قبل عيد الفطر، واتُفق فيه على ضرورة إعداد تشكيلة حكومية والتوجه بها إلى قصر بعبدا. ولكن ذلك لم يحصل، ما دفع بالراعي في عظة الأحد الفائت إلى توجيه دعوة علنية للحريري للإقدام على تلك الخطوة.
وعون في لحظة حرج سياسي. وفيما كان يستعد لشن هجوم على الحريري ورئيس مجلس النواب، نجح برّي بسحب الورقة من يد رئيس الجمهورية. وهذا بكلامه عن المبادرة التي أعطاها مهلة أسبوعين. وبالتالي، لم يعد عون قادراً على الهجوم، وإلا يكون هو المعرقل. أما في حال انقضت المهلة ولم تتشكل الحكومة، فيكون عون أمام خيارات متعددة: إما الدعوة إلى طاولة حوار، وإما توسيع نطاق الحملة على سعد الحريري، وإما التلويح باستقالات من المجلس النيابي لإسقاط التكليف والذهاب إلى انتخابات مبكرة، يريد برّي تجنبها.
إلى جانب النقاش السياسي، هناك نقاش يذهب نحو البحث في النوايا، وما إذا كان الحريري يريد فعلاً تشكيل الحكومة، أم أنه يفضل عدم تشكيلها. والسبب وراء ذلك هو الأزمة المالية والاقتصادية وتداعياتها على القوى السياسية. أما السبب الثاني فهو الوضع السياسي الإقليمي، وعدم توفر غطاء سعودي للرئيس المكلف.
وهذه كلها أسئلة مطروحة في أذهان الجميع، فيما رئيس الجمهورية يذهب بالنقاش إلى اتهام رئيس الحكومة المكلف بأنه لا يريد تشكيل الحكومة، وهمه ضرب العهد وما تبقى منه.
الانتخابات وسوابقها
وهذا كله يقود إلى الحسابات الانتخابية التي أصبحت تحتل اهتمامات الجميع. وهناك جانب من الطروحات غير الظاهرة بعد، ولكن كل طرف يسعى إلى تعزيزها. فالجميع يتحضر للانتخابات النيابية المقبلة، والتي ستكون في السنة المقبلة مختلفة عن الاستحقاقات الانتخابية السابقة. فتيار المستقبل مثلاً خاض انتخابات العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، وارتكز على تحالف رباعي حقق له انتصاراً كاسحاً. وفي المقابل خاض التيار العوني تلك الانتخابات على أساس المظلومية المسيحية، فحقق فوزاً كبيراً على الساحة المسيحية.
وفي العام 2009 خاض تيار المستقبل انتخاباته على قاعدة 14 آذار، وهو كان تحالفاً عريضاً بعد أحداث 7 أيار. فجدد المستقبل انتصاره واحتفاظه بالأكثرية النيابية، على أساس مواجهة حزب الله سياسياً. أما التيار العوني فخاض تلك الانتخابات متحالفاً مع حزب الله، فتراجع مسيحياً.
وانتخابات العام 2018، خيضت في غمرة التحالف بين التيارين، وأيام الغرام والوئام. وحصلت في غياب العناوين السياسية، وارتكزت الخطب الانتخابية على النهضة الاقتصادية وتأمين 900 ألف وظيفة. أما في السنة المقبلة فستحصل الانتخابات في ظل أكبر أزمة اقتصادية يعيشها لبنان الذي يعاني من انهيار في كل القطاعات.
والانتخابات المقبلة سيخوضها المستقبل في إطار انتقاله من مواجهة حزب الله، إلى مواجهة التيار الوطني الحرّ أو العونية السياسية التي تريد الاستئثار بكل شيء، وضرب اتفاق الطائف والإخلال بالتوازنات كلها، والصراع على الصلاحيات.
وهذا في ظروف أصابت العونيين بتراجع كبير على الساحة المسيحية. لذا، سيكون شعار المستقبل ضرورة هزيمة العونية السياسية. وهذا وجه من وجوه معركة تشكيل الحكومة اليوم.
أما التيار العوني فسيخوض الانتخابات إنطلاقاً من حسابات المظلومية والحصار السياسي، اللذين يعمل على تصوير أنه يتعرض لهما من المستقبل ونبيه برّي ووليد جنبلاط. وهذه الحسابات كلها هي المتحكمة بمفاصل تشكيل الحكومة، لأن أنظار الجميع شاخصة إلى مرحلة الانتخابات وما بعدها.