منح رئيس الجمهورية ميشال عون، ممثلًا بمستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي، وسام الاستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف لرئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش، لمناسبة احتفاله باليوبيل الكهنوتي الذهبي واليوبيل الأسقفي الفضي، وذلك خلال قداس احتفالي ترأسه درويش في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة في حضور بطريرك انطاكيا وسائر المشرق يوسف العبسي ومشاركة المطارنة: ادوار جاورجيوس ضاهر، ايلي بشارة حداد وعبدو عربش ولفيف من كهنة الأبرشية.
كما حضر القداس المعتمد البطريركي الأنطاكي للروم الأرثوذكس في روسيا المتروبوليت نيفن صيقلي، راعي ابرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض، راعي ابرشية زحلة للسريان الأرثوذكس المطران بولس سفر، راعي ابرشية بعلبك للروم الكاثوليك المطران الياس رحال، الأرشمندريت حنانيا كوجانيان ممثلا راعي ابرشية زحلة للأرمن الأرثوذكس شاهي بانوسيان، رئيس عام الرهبانية الباسيلية المخلصية الأرشمندريت انطوان ديب، رئيس عام الرهبانية الباسيلية الشويرية الأرشمندريت برنار توما، الرئيسة العامة للراهبات المخلصيات الأم تريز روكز، مدعي عام البقاع القاضي منيف بركات، قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور وعدد من الشخصيات.
بعد الإنجيل المقدس الذي قرأه المطران حداد، تلا المطران ادوار ضاهر رسالة تهنئة موجهة من قداسة البابا فرنسيس الى المطران درويش وجاء فيها: “في هذا الاحتفال السعيد باليوبيل الفضي لسيامتك الأسقفية، نهنئكم بفرح بهذه المناسبة، ومن خلال شفاعة العذراء مريم الطاهرة، نتمنى لكم مواهب الروح القدس الوفيرة، ونمنحكم بركتنا الرسولية كما نمنحها لأبنائنا المؤمنين في أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك، واطلب منكم بالوقت ذاته أن تصلوا لأجلي”.
ثم كانت كلمة للمطران درويش تحدث فيها عن كل مراحل حياته الكهنوتية والأسقفية، وقال: “في بداية كلمتي أتوجه بشكري العميق إلى فخامة الرئيس العماد ميشال عون، لرعايته احتفالات اليوم، نسأل الله أن يبارك رئاسته ويمده بالقوة ليقودنا إلى لبنان الجديد، وارحب بمحبة كبيرة بممثله معالي الوزير الصديق الدكتور سليم جريصاتي. كما أرحب باسم إخوتي الكهنة ورهبان الأبرشية وراهباتها ومؤمنيها ومؤمناتها، بغبطة البطريرك يوسف العبسي وأشكره على ترؤسه هذا القداس الإلهي، فحضوره معنا يضفي على الاحتفال بهجة ورونقا بهيا. كما أرحب بكم إخوتي أصحاب السيادة وأحيي كل واحد منكم شاكرا لكم حضوركم ومشاركتكم. إنه لفرح كبير أن تباركوا احتفالات أبرشيتنا”.
وأضاف: “شكرا لكم جميعا، أيها الأحباء، فأنا معكم أتذكر اليوم بامتنان وشكر عميقين، هبة كهنوتي الرائعة، التي لا تضاهيها هبة، ونعمة الأسقفية التي أشعر، يوما بعد يوم، أني لم أكن أستحقها لولا نعمة الله وصلوات والدي وإخوتي. إني أشكر الرب على هذه النعمة، نعمة الدعوة، التي خصني بهاـ فمنذ صغري اختارني وربطني به، فصرت أسيرا لمحبته، وبذلك كانت حياتي ربحا. وعلى مر السنين شغفت بدعوتي، فشددني الرب ونشط ضعفي، لأكون أهلا للأمانة ومستحقا لأحافظ على الوديعة. والسنوات الخمسون علمتني أن أكون فرحا في حياتي، فكنت أحسب نفسي اسعد الخلائق، لذلك أجد أن هذا اليوبيل هو زمن نعمة جديدة، تزاد على نعم كثيرة منحني إياها الرب وفاقت كل توقعاتي. ما زلت أذكر ما قاله لي مرشدي عندما كنت أتهيأ للرسامة الكهنوتية في دير المخلص، بأن كل ما يحققه الكاهن في حياته هو لمجد الرب. وأنا اليوم لا أحتفل أبدا بما حققته خلال خدمتي الكهنوتية أو الأسقفية، إنما أحتفل معكم بنعمة الرب التي رافقتني فكانت كلها لمجد الله”.
وتابع: “خمسون سنة كانت حياتي مغامرة شيقة وأخاذة، لم يكن فيها يوم مثل آخر، ولا قداس مثل آخر، فكانت سنوات خدمتي في لبنان واستراليا، غنية بالفرح والعطاء، نشدت دوما الحداثة والتغيير والتجدد. الحداثة هي انعطافات فكرية ايجابية لمجرى التاريخ. والتغيير هو جزء حتمي من حياة الإنسان. أما التجدد فهو علامة حضور الروح في كنيسته. لكنني اختبرت أيضا مشقات كثيرة، فالناس الذين يقاومون هذه الثلاثية كثر، لأن ما نشأوا عليه يعتبرونه مقدسا وهو أحيانا كثيرة غير ذلك. ففي التجدد محبة، والمحبة لم تكن يوما جامدة، إنها مثل القلب تتحرك باستمرار وتنبض بالحياة، ويوما بعد يوم تنقشع الرؤيا فنرى الآخر نعمة لأنه سر من أسرار الله”.
وقال: “نجحت أحيانا كثيرة وعرفت فترات تعثر وفشل، تعرضت لصعوبات ومحن، لكن الرب حمل صليبي وقواني، ارتضيت أن أكون ذبيحة انسان لأصير ذبيحة الله، شعرت بأبوتي الروحية لأنني أحببت الإنسان، فكان غاية جهادي وختم رسالتي (1كور9/2). وكانت أجمل المغامرات بأن تحمل خيمتك وتصعد من جديد وترعى الآخرين بسلطة المحبة التي تفوق الوصف… المغامرة الحقيقية هي أن أحب، يعني أن أنسى ما ورائي وأمتد الى ما هو أمامي (فيل3/13). انت لست مستكبرا إذا آمنت أنك في الحق. وبذلك تشهد، لا لنفسك، ولكن للإيمان الذي اقتبسته من الله. انت لست كبيرا بحد ذاتك بل بالنعمة. من هذا الباب المشرع للخدمة الواجبة دخلت المحبة كياني، حاولت أن أكون طفلا مع الأطفال وشابا مع الشباب وجائعا مع الجياع وفقيرا مع الفقراء، واعتبرت أن المحبة هي أن ترعى حاجات الناس كلها”.
واردف: “أعترف اليوم أمامكم أن كثيرا من الرؤساء والناس لم يفهموني على حقيقتي، ربما لأني لم اعتبر التعبير عن ذاتي من أولوياتي، وربما لأني كنت أفكر وأعمل بطريقة لا تتلاءم مع قناعات الكثيرين من حولي. لقد ظهر لي أنه لا مفر للكاهن من أن يحمل صليبه بفرح، وأحيانا كثيرة لا بد له من أن ينادي بسمعان قيرواني جديد يساعده على حمل صليبه”.
وختم: “أتوجه بكلمة أخيرة إلى إخوتي وأصدقائي في أبرشية استراليا ونيوزيلندا، وإلى أبناء وبنات أبرشيتي في الفرزل وزحلة والبقاع، وأقول لهم بأن محبتي لكم كانت مصدر قوتي وعملي الكنسي والروحي والاجتماعي، كما كانت سيدة النجاة إلى جانبي ترافقني وتأخذ بيدي وتقود خطواتي. الآن وقد شارفت على الانتقال إلى مرحلة جديدة من حياتي، أوصيكم بأن تحافظوا على سيدة النجاة فهي لكم وأنتم لها. أشكر مجددا فخامة رئيس الجمهورية، وغبطة البطريرك والسادة الأساقفة والأخوة الكهنة وجمهوركم الكريم. وشكري الخاص للرهبانية الباسيلية المخلصية وللرهبان الذين ساهموا في تنشئتي. أسأل الله أن يبارككم جميعا بشفاعة الأم العذراء مريم سيدة النجاة، آمين.”
ثم قدم المتروبوليت صيقلي للمطران درويش هدية عبارة عن علبة ذخائر القديسين جلبها معه خصيصا من موسكو عربون محبة وتقدير.
كلمة الختام كانت لجريصاتي الذي قال: “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، نبتهج ونفرح فيه ( سفر المزامير 24:118 ) “إن انسى لن انسى يا أمير كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك وخادمها كيف استقبلت صبيحة يوم في عروس البقاع وعاصمة الكثلكة النائب العماد ميشال عون رئيس “تكتل التغيير والإصلاح ” في حينه، حاملا هموم الوطن والشعب ومتفقدا الأحوال. وحين تبوأ الموقع الأول في الهرمية الدستورية، تضاعفت المهام والمسؤوليات الجسام سيما في ظل الأزمات الموروثة والمتناسلة او تلك التي استجدت وتفاقمت مع كل العوارض المرضية في الجسد اللبناني بفعل غدر الزمن والإرث الثقيل معا. الا ان السيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم ولن ييأس، ذلك انه من ابناء كنيسة الرجاء والقيامة، وهو القائل : لولا الصليب لما كانت المسيحية”.
واضاف “اننا في هذا اليوم المبارك، وفي هذه الكاتدرائية التي أقدم سيدنا عصام على ترميمها فأصبحت بحلة بيزنطية بهية، وأمام المذبح الإلهي الملوكي، نقول كلمة حق بهذا الأسقف الذي اتانا يوما من استراليا وحل بيننا، فأشرقت معه شمس البقاع الدافئة فرحة بقدومه، على خطى اسلافه الأبرار والصديقين. سيدة النجاة تليق بك وانت تليق بها، وهي الساهرة علينا جميعا، وانت لم تكتف ببنيان الحجر والترميم بل سلكت درب القلب والروح، فأحببت اهلنا وبادلوك الحب، كما أحببت لبنان، وانت من غرس في بلاد الشام وتآلفت مع مختلف الأطياف والأطراف، وعملت جاهدا على احلال الوئام في ربوعنا هنا، ودعوت من عانى من الأزمات الى موائد المحبة، وسهرت على الصرح الطبي في تل شيحا، مضيفا اليه جناح معالجة المصابين بوباء الكورونا، وأقمت الصلاة في أفراحنا وأتراحنا وشاركت بالروح الفرحى والحزانى منا، وأتيت بخبراء الترميم الى المطرانية وأسست المتحف الذي سنفتتح اليوم بمباركة ابينا جميعا البطريرك عبسي، وأقمت النصب لأحبارنا، ولم تبخل يوما بأن تخصص أراضي المطرانية لمشاريع زراعية منتجة ومجدية، وأكثرت من الأسفار حيث التقيت الجاليات اللبنانية في بلاد الإنتشار والتقيت بار المسؤولين فيها ووطدت عرى الصداقة والثقة معهم الى أن اصبحت سيدة النجاة محجتهم عند مجيئهم الى لبنان، حيث كان اللقاء معهم مجدا ونافعا لبقاعنا ولبناننا عامة. وكان معاونوك من الكهنة، بدءا من نائبك الجليل، مخلصين لك ومؤتمنين على الرسالة التي خطها القلب والفكر وعرق الجبين وتعب السنين”.
وختم: “أخيرا، كلمة حق الى مجلسك الأبرشي أوجه له كل التحيات لما أقدم عليه خلال اسقفيتك والتكريم هذا الذي تستحق، فكان أمينا على الوزنات التي استودعتها لديه واعادها لك مزهوة بألف لؤلؤة”.
بعد ذلك، قلد جريصاتي باسم رئيس الجمهورية المطران درويش وسام الاستحقاق، وقال: “تقديرا لمسيرتك الكهنوتية التي أغنت رسالتك الإنسانية فأشرقت على المجتمع مجبة وسلام، قرر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منحك وسام الإستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف، وكلفتي فشرفني أن اقلدك اياه في هذه المناسبة وأن اتقدم منكم بأحر التهاني”.
بعد القداس، انتقل الحضور الى المتحف البيزنطي حيث انضم اليهم راعي ابرشية بيروت للروم الكاثوليك المطران جورج بقعوني وراعي ابرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت انطونيوس الصوري، وتلا البطريرك العبسي صلاة التبريك وقص مع جريصاتي ودرويش شريط الإفتتاح. وجال الجميع في ارجاء المتحف الذي ضم ايقونات بيزنطية نادرة، وبدلات قديمة للأساقفة وادوات كنسية قديمة. وتولى الأرشمندريت الدكتور ايلي ابو شعيا مهمة الشرح لمحتويات المتحف وتاريخها.
ومن المتحف، انتقل الحضور الى حديقة ألأساقفة حيث أزيح الستار عن تمثال البطريرك كيرللس مغبغب الذي كان له الدور الأساس في اعلان دولة لبنان الكبير، وقد حضرت عائلة مغبغب من عين زحلتا خصيصا للمشاركة في الحدث.
ثم كانت جولة في الطابق الأول من المطرانية حيث القاعات والصالونات والممرات التي ازدانت كلها بالأيقونات والرسومات التي نفذها فنانون اوكرانيون.
ولدى الوصول الى المكتبة، تلا البطريرك العبسي صلاة التدشين، وقص مع الوزير جريصاتي والمطران درويش شريط الإفتتاح وجال في ارجاء المكتبة، مبديا تقديره لهذا “العمل الجبار”.
وشارك العبسي الشبيبة في ابحاثهم على اجهزة الكومبيوتر الموجودة في المكتبة، واستمع الحضور من الأرشمندريت ايلي ابو شعيا الى شرح عن المكتبة وفكرة انشائها، وعن عملية المكننة التي استطاعت حتى اليوم ادخال اكثر من 15000 كتاب الى الكومبيوتر. كما تحدث عن مكتبة السفير الراحل فؤاد الترك التي قدمتها عائلته، كذلك مكتبة العميد الراحل الدكتور انيس نسلم. وشاهد الجميع عرضا من اعداد وتنفيذ المسؤول الإعلامي في الأبرشية خليل عاصي عن المكتبة والمتحف البيزنطي وحديقة الأساقفة.
وقدم المطران درويش الى البطريرك العبسي مجلدات من مجلة الرسول التي تصدرها المطرانية، تضمنت نشاطات عشر سنوات بما فيها زيارات العبسي الى الأبرشية. وفي الختام اقيم حفل عشاء على شرف الحضور.