كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
لم يعد حديث نواب وكوادر “التيار الوطني الحرّ” لجهة دفاعهم عن محور الممانعة وسلاح “حزب الله” يثير استغراب من يحلم ببناء دولة، خصوصاً أن سياسة قيادة “التيار” جعلت من تبقّى من برتقاليين ملتصقين بفكر “الحزب”، حتى ذهب بعضهم إلى المزايدة في الدفاع عن إيران والمحور “الممانع”.
لم تأتِ إشادة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله برئيس الجمهورية ميشال عون في ذكرى التحرير من فراغ، فما منحه عون لـ”حزب الله” يفوق ما قدّمه الرئيس إميل لحّود. صحيح أنّ لحوّد دافع عن “المقاومة” لكنه كان من دون شعبية مسيحية، في حين أن عون منح “حزب الله” الغطاء المسيحي، وأكمل” معروفه” من ناحية تجنيد موقع رئاسة الجمهورية ومنابر و”عناتر” وزارة الخارجية للدفاع عن سياسات “حزب الله”. ومن يقرأ رسالة رئيس الجمهوريّة التي وجّهها إلى رئيس الحزب “السوري القومي الإجتماعي” ربيع بنات كجواب على دعوته لحضور إحياء ذكرى عيد المقاومة والتّحرير، الذي أقامه الحزب الأحد الفائت في الحمرا، يُدرك أن الرئاسة أصبحت في مكان آخر وباتت كما أعلن نصرالله في صلب محور “الممانعة”.
ومما جاء في الرّسالة الرئاسية: “يسرّنا في هذه المناسبة العزيزة على قلوب اللّبنانيين جميعاً أن ننقل إليكم شكرنا وتقديرنا لنشاطاتكم الهادفة إلى تعزيز الرّوح الوطنيّة وتوحيد الجهود لمواجهة التّحدّيات وإبقاء شعلة المقاومة متوهّجةً تنبض بإرادة المواجهة والإنتصار ذوداً عن لبنان وسيادته”.
تعلم رئاسة الجمهورية جيداً أن هذه المناسبة تشكّل في كل عام تحدّياً للدولة لأن “القومي” يُصرّ على استباحة شوارع منطقة الحمرا في قلب بيروت، والقيام بعرض شبه عسكري قد يكون هو الوحيد الذي يُقام بعد استعراضات “حزب الله”، وبالتالي فإن الرئاسة والأجهزة الأمنية تسمح بحصول مثل هكذا عراضات تضرب صورة الدولة وهيبتها.
هذا في الشكل، أما في المضمون، فرئيس الجمهورية يُطلق على نفسه أنه “بي الكلّ” وهذا أمر طبيعي، لكن السؤال الذي يُطرح: كيف يمكن للرئيس أن يكون “بيّ” حزب لا يؤمن بنهائية الكيان اللبناني ولا يعترف بأن لبنان بلد قائم بحدّ ذاته ويراه مقاطعة من ضمن “سورية الكبرى” التي تُعتبر حلماً لا يمكن تحقيقه حتى بالنسبة إلى القوميين أنفسهم؟
لا شكّ أن الحزب “السوري القومي” حزب قائم ولديه مناصرون منتشرون في كل المناطق ولديه مفكّرون، لكنّ هذا الحزب بات يُفاخر بالقتل ويتبنّى علناً جريمة إغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميل الذي كان يُمثّل حلم قيام الدولة الحرّة والسيّدة والمستقلّة والتي تشكّل النقيض لكل مشاريع “بلع” الكيان اللبناني ومن ضمنها مشروع “القومي”.
وفي السياق، يُصرّ عون وكل قياديّي “التيار” على أنهم كانوا إلى جانب الرئيس بشير الجميل، والذي كان يُطلِق على عون (ضابط المدفعية آنذاك) إسماً حركياً هو “رعد”، وبالتالي كيف يمكن لرئيس جمهورية أن يُشيد بحزب إغتال رئيساً سابقاً وقد تمّت المحاكمة في عهده وتمّت إدانته… ولم يُسلّم القَتَلَة؟
يشكّل لبنان واحة لتلاقي الأفكار والجميع متمسّك بهذه الميزة، لكن أن تصل هذه الأفكار إلى حدّ تشريع القتل والإرهاب فهنا تُطرح علامات استفهام، والجميع يعلم أن الرئيس عون كان قائداً للجيش ودخل كضابط، في حين أن الحزب “القومي” حاول تنفيذ إنقلاب في عهد الرئيس فؤاد شهاب وسقط نتيجة هذا الإنقلاب عدد كبير من عناصر الجيش، وقد نفّذ محاولة الإنقلاب بعد سنوات من إغتيال رمز الإستقلال الرئيس رياض الصلح.
قد تكون رسالة عون إلى رئيس “السوري القومي” رسالة مجاملة، لكن سلوك العهد لا يدلّ على ذلك، خصوصاً وأن كلاً من “التيار العوني” والسوري القومي” باتا في خندق واحد على رغم الإختلاف على الحصص و”التبييض” لكسب رضى “حزب الله” ونظام الأسد، من هنا، فإن رئاسة الجمهورية التي تُعتبر حارسة الكيان ولبنان الحرّ الموحّد باتت أمام أسئلة جوهرية لا بدّ من الإجابة عليها، ويطرحها الرأي العام، وهي: هل يؤيّد عون فكر “القومي” الذي لا يعترف بنهائية لبنان؟ وكيف يُشيد بهكذا حزب يهدف إلى تدمير الكيان؟ وهل الرئاسة باتت في صلب محور “القومي”؟ وهل مسموح لرئاسة الجمهورية أن تستعمل مصطلحات ذاك المحور في بياناتها؟ وهل ترضى الرئاسة على أداء حزب إغتال رئيس جمهورية ورئيس حكومة ونفّذ محاولة إنقلابية ويؤيّد السلاح غير الشرعي ويؤمن بمنطق العنف والإغتيال؟ وإذا كانت الرسالة الجوابية أرسلت قبل الإحتفال فلماذا لم يُحرّك القضاء لإلقاء القبض على مطلقي شعار “طار راسك يا بشير وجايي دورك يا سمير؟”.
وإذا كان البعض يردّد مقولة “عفّى الله عما مضى”، إلا أن بصمات الحزب “السوري القومي” لا تزال ماثلة أمام أعين الجميع، حيث كان إلى جانب “حزب الله” في إجتياح بيروت في 7 أيار 2008 والإعتداء على المواطنين وقتل وجرح العشرات وإحراق الأملاك الخاصة، فاذا كان العماد عون رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” يؤيّد مثل هكذا إرتكابات فهل مسموح أن يعتبر العماد عون الذي أصبح رئيساً للجمهورية أن سلوك “السوري القومي” يُبقي شعلة المقاومة متوهّجة وضارباً عرض الحائط بكل مشاعر المسيحيين واللبنانيين الذين يؤمنون بالقومية اللبنانية لا السورية ولا غيرها؟.