جاء في “المركزية”:
في إطار تفعيل العمل الوطني لإنقاذ ما تبقى من هُويّة وكيان لبنان، طرح “لقاء الهوية والسيادة” مشروعاً سياسياً يقوم على رؤية سياسية واحدة عبر تأسيس دولة مدنية اتحادية حيادية. يحظى المشروع، الذي تم اطلاقه في 8 أيار الماضي، بدعم مجموعات من الثوار من مختلف المناطق والطوائف، كما يتواصل “اللقاء” مع الداخل والخارج لطرحه كبديل إنقاذي لخروج لبنان من الدوامة، ويسعى الى تشكيل لوبي لبناني في ديار الاغتراب لا سيما في عواصم القرار لتسويق المشروع. فما هي المقومات الدستورية التي طرحها اللقاء؟
رئيس اللقاء الوزير السابق يوسف سلامه أوضح لـ”المركزية” ان لبنان لم يعش، منذ استقلاله حتى اليوم، 15 سنة استقرار على التوالي. ففي العام 1958 حصلت الثورة وفي 1969 ازمة الفلسطينيين واتفاق القاهرة، عام 1975 الحرب الاهلية الخ… درس “اللقاء” السبب الكامن وراء هذا اللاستقرار وبحث في جذور الازمة، واكتشف ان لبنان يعاني من أزمة هوية أدّت الى ازمة سيادة. وعام 1920، استغرق لبنان عشرين سنة حتى وافقت كل مكوناته على قيام لبنان الكبير، ومنذ عام 1943 بقي لبنان، كما قال جورج نقاش مقولته الشهيرة التي سُجن لأجلها: deux negations ne font pas une nation وتبين لاحقا انه كان على حق. استمررنا بالاختلاف على كل شيء حتى أننا لم نتفق على العدو الخارجي ولا حتى على الصديق “.
وتابع سلامة: “بعد البحث، وجدنا ان الدستور يحتوي على الكثير من الثغرات، لأنه لا يشبه شعبه، فدستور ما قبل الطائف كان مثلا يسمح لرئيس الجمهورية بتأليف الوزارة وتعيين رئيس الوزراء، وهذا الامر يصح في فرنسا حيث الشعب المتجانس وليس في لبنان لأننا مجتمع تعددي، اذ يجب ان يكون لرئيس الوزراء الحق في تأليف الوزارة. ولم يستطع رئيس الجمهورية تطبيق الدستور بين 1943 ونهاية دستور ما قبل الطائف. ثم جاء دستور الطائف، الذي نص على وجوب ان يحضر اول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ثلثا اعضاء مجلس النواب، فإذا كان المرشح لرئاسة الجمهورية لا يملك الاصوات الكافية لوصوله ويتمتع بالثلث زائدا واحدا يعطل الانتخابات، ونعيش في فراغ وكأن دستور الطائف هو دستور تعطيلي يحتاج الى وصي لتنفيذه بالقوة. خاض لبنان هذه التجربة مع انتخاب الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون حيث وقعت البلاد في فترة لا بأس بها من الفراغ الرئاسي.
أضاف: “لذلك رفعنا الصوت ان على لبنان حل ازمة الهوية لأن كل خلافاتنا نابعة من الاختلاف على السياسات الخارجية والاقليمية، وطالبنا بالحياد التام كي نرتاح من صراع المحاور، ففي لبنان مسيحيون ومسلمون، او بالاحرى شيعة وسنّة، اصبحنا نتبع محورَين، الاول تتزعمه ايران والثاني دول الخليج ومصر، لذلك، لا يمكننا كدولة لبنانية ان ندخل في سياسة المحاور لأننا بذلك ندخل ضد عاطفة شعور جزء من أهلنا. وبما ان اساس تكوين لبنان كان الحياد، أتينا نؤكد على مشروعية الحياد اللبناني. كما طالبنا بالدولة المدنية. صحيح ان لبنان دولة مدنية لكن يجب التأكيد عليها اكثر كي تكون بكامل قوانينها مدنية، وهناك الكثير من القوانين التي اعطت لأمراء الطوائف خصوصيات تعطل قيام الدولة. بالاضافة الى ذلك، طالبنا بالدولة الاتحادية، وحتى لا يعتبر الشعب ان مشروعنا يهدف الى تقسيم البلد او الفرز السكاني، نؤكد له العكس، لأن الدولة المركزية هي التي ساهمت بالهجرة الداخلية في البلد والحروب المتواصلة والفرز السكاني، بينما الدولة الاتحادية تحصن الحياة المشتركة وتعطي الامان والاستقرار لكل شخص ولكل اقلية في المنطقة حيث وولدت وتربت وعاشت فيها.
وقال سلامة: “طرحنا الدولة الاتحادية على الطريقة اللبنانية، وليس تقسيمية طائفية، فاقترحنا تأسيس مجلس شيوخ ومجلس نواب، كل منهما مؤلف من 60 عضواً، حيث ان مجلس النواب ينتخب خارج القيد الطائفي على اساس قانون الستين كما كان سابقا، وكي اتمكن من حماية التنوع ايضا بالتوازنات من دون ان ننتخب طائفيا، أخذنا الكسور في المنطقة حيث الطائفة المسيحية تشكل الاكثرية، وألغيناها في المناطق حيث الاكثرية مسلمة، وهكذا نضمن ان 25 نائبا سيفوزون مسيحيين او العكس. تبقى المناطق المختلطة كالجبل وغيره. وبهذه الطريقة لا تبقى في مجلس النواب اقلية غير مؤثرة لأي طائفة. أما مجلس الشيوخ فاعتبرناه طائفياً، ولبنان دائرة واحدة ينتخب على القانون النسبي وبهذه الطريقة نكون قد عودنا الشعب ان ينتخب وطنيا وليس طائفيا او مذهبيا. اما عن دور الاقلية، فمثلا في عكار المسيحيون يشكلون 30 في المئة والسنة 70 في المئة، قد لا يصل الى مجلس نواب مسيحيون في هذه الحالة، ولكن ما يحصل هو ان دور المسيحي في عكار هو اهم من دور المسيحي في جونيه لأنه اصبح صوته يساهم في وصول الصوت السني المعتدل الذي يفكر وطنيا، لأن تأثيره اصبح قوياً، وبذلك يتحوّل الخطاب السياسي الى خطاب وطني، والسني مثلا في عكار لا يمكنه ان يتكلم مذهبيا لأن اصوات المسيحيين هناك اصبحت كفة مرجحة له، وهكذا في المناطق الاخرى ويساهم في وصول مثلا الماروني المعتدل او الشيعي المعتدل، ولبنان فيه انتشار طائفي في كل المناطق، اصبح دور الاقليات الطائفية الموجودة في كل المناطق مؤثرا لصياغة خطاب وطني عند الاكثرية الموجودة معها واصبحت حاجة لها”.
أضاف: “اما بالنسبة لرئيس الجمهورية فاقترحنا ان يتم انتخابة من قبل الشعب، فلا تعود هناك امكانية لتعطيل انتخابات الرئاسة ولا يعود هناك تدخل تاريخي بفرض رئيس جمهورية معين، واشترطنا، كي لا يخاف المسيحيون اذا كانوا اقلية من انتخاب رئيس ديكور ليس له صفة تمثيلية، ان على من يود الترشح لرئاسة الجمهورية ان يكون عضواً في مجلس الشيوخ، اي حائزا على صفة تمثيلية في بيئته، وان يتم انتخابه من قبل الشعب، لذلك يجب ان يكون خطابه وطنيا فلا يحمل لواء المسيحيين فقط، بل يرضى عنه الشعب ككل وإلا سيسقط في الانتخابات. وكي نتمكن من الغاء طائفية او مذهبة المؤسسات وسعنا المروحة، واقترحنا إلغاء المذهبية على مستوى رئاسة الجمهورية والحكومة والنواب، وذلك بأن تكون رئاسة الجمهورية لكل المذاهب المسيحية وليس للموارنة فقط، ورئاسة الوزراء والمجلس النيابي لغير المسيحيين ويمكن ان يتبوأ هذا المركز سني او شيعي او درزي، في حين تكون رئاسة مجلس الشيوخ مفتوحة لكل الطوائف، وممنوع على اي مذهب ان يحصل على رئاستين معاً، بهذه الطريقة لم تعد رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس حكرا على احد، وحولناها الى مؤسسات وطنية تمثل كل الشرائح. اذ منذ اتفاق الطائف حتى اليوم تمذهب كل شيء في لبنان، واصبح كل لبناني يشعر ان كل وزارة وزيرها من طائفته كأنها مؤسسة تابعة لهذا المذهب. كما وضبطنا المهل لرئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء وطالبنا بنظام داخلي لمؤسسة مجلسي الوزراء والنواب”.
وختم سلامة: “إذا نجح هذا المشروع وتم اعتماده، اعتقد ان خلال عشر او عشرين سنة يكون الشعب اللبناني تحول الى شعب علماني بالكامل”.