كتبت العرب اللندنية:
تعكس اندفاعة الغرب لمساعدة المؤسسة العسكرية في لبنان التي تعاني من صعوبات مالية خانقة تهدد بانهيارها، مخاوف دولية من أن تتسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي لم تع الأطراف السياسية خطورتها إلى الآن في تفكك الحصن الأخير لأمن اللبنانيين في ظل أجندات داخلية وخارجية تتربص باستقرار البلاد.
وتعمل فرنسا على ترتيب مؤتمر دولي في حزيران القادم لمساعدة الجيش اللبناني، فيما ترغب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تفعيل قدرات الجيش اللبناني للتصدي لحزب الله واحتواء نفوذ طهران في البلاد.
وينظر للجيش اللبناني منذ فترة طويلة على أنه مؤسسة تمثل نموذجا نادرا يجسد الوحدة والفخر الوطني. وأدى انهيار الجيش في بداية الحرب الأهلية عندما انقسم وفقا لانتماءات طائفية إلى تسريع انزلاق لبنان لسيطرة الميليشيات.
ويتنامى الاستياء في صفوف قوات الأمن اللبنانية بسبب انهيار العملة الذي أدى إلى محو أغلب قيمة رواتبهم.
وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية 90 في المئة منذ أواخر 2019 في انهيار مالي يشكل أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وحذر قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الذي التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس الأربعاء، من أن الأزمة الاقتصادية وضعت الجيش على شفا الانهيار وإن باريس عرضت تقديم مساعدات عاجلة غذائية وطبية للقوات على أمل الحفاظ على القانون والنظام.
وتسعى فرنسا، التي قادت جهود إغاثة للبنان، للضغط على السياسيين اللبنانيين المتناحرين الذين أخفقوا حتى الآن في الموافقة على تشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات من شأنها إتاحة مساعدات مالية أجنبية لبلادهم.
ويشرط المانحون الدوليون بينهم فرنسا والولايات المتحدة تشكيل حكومة إنقاذ وطني من أجل تقديم مساعدات مادية تدفع العجلة الاقتصادية للبنان وتبعده عن شبح الانهيار، إلا أن المصالح الحزبية الضيقة والمحاصصة حالت دون الاستجابة للشروط الغربية.
وحاولت فرنسا على مدار الأشهر الماضية الدفع باتجاه تشكيل حكومة لبنانية جديدة خلفا لحكومة حسان دياب التي قدمت استقالتها في أغسطس الماضي، بيد أن باريس اصطدمت بعقبات عدة بسبب تعنت بعض أقطاب العهد وفي مقدمتهم التيار الوطني الحر، وانجرار الأطراف المقابلة على غرار رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في حرب سجالات حادت عن الهدف الأساسي.
وأعرب المسؤولون الفرنسيون مرارا عن خيبة أمل كبيرة من النخبة السياسية في لبنان، وآخرهم وزير الخارجية جان إيف لودريان خلال زيارته الشهر الماضي لبيروت والتي قرأها كثيرون على أنها الفرصة الأخيرة قبل أن تنفض فرنسا يدها كليا من ساسة لبنان.
وفي نهاية نيسان، قررت باريس معاقبة المسؤولين المتورطين في الأزمة السياسية، بإعلان قيود على دخول الأراضي الفرنسية تطول الشخصيات اللبنانية التي تعتبر مسؤولة عن التعطيل.
وتقول دوائر سياسية إن فرنسا وبتنسيق مع واشنطن تسعى اليوم إلى الحفاظ على ما تبقى من مقومات وجود لبنان عبر دعم جيشه.
وفي مؤتمر افتراضي عقد في وقت سابق برعاية وزارة الخارجية الأميركية ناقش الطرفان خطط تعزيز التعاون العسكري، فيما جددت واشنطن التزامها بدعم الجيش اللبناني من خلال الإعلان عن 120 مليون دولار في شكل مساعدات تمويل عسكري خارجي إلى لبنان للسنة المالية 2021، وهو ما يمثل زيادة مقدارها 15 مليون دولار عن مستويات السنة الماضية.
وفي المقابل، قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن إدارة بايدن ترغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني للتصدي لحزب الله واحتواء نفوذ إيران في لبنان.
وأوضح المسؤول أن إدارة بايدن تدرك أن طهران تؤدي دورا فاعلا ومؤثرا في لبنان عبر تنظيم حزب الله، وهي بالتالي ستبقى متمسكة بنفوذها في هذا البلد على رغم التقارب الممكن حصوله على مستوى المحادثات غير المباشرة مع طهران والمتعلقة بملفها النووي.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن فريق إدارة بايدن الأمني يرغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني بهدف التصدي لتنظيم حزب الله المدرج على لائحة الإرهاب في واشنطن ومنع سقوط مؤسسات الدولة الأمنية اللبنانية بيد التنظيم.
وكشف المسؤول أن حلفاء أساسيين لواشنطن في المنطقة العربية يدعمون اتجاه دعم القوى الأمنية اللبنانية، وفي مقدمها الجيش، رغم الأوضاع الداخلية التي يعيشها لبنان، وأن هناك إجماعا على أهمية تفعيل الجيش ودوره على كامل الأراضي اللبنانية.
وتتطلع الدول الغربية إلى دور أكبر للمؤسسة العسكرية اللبنانية نظرا لما تتمتع به من تقدير من كافة القوى السياسية في الداخل اللبناني، وستكون الدعائم الأساسية لذلك الدور ترجيح كفة الردع العسكري للدولة في مواجهة تنامي قدرات حزب الله العسكرية، لمنع أي ضغوط من الحزب لتحقيق مصالح سياسية في الداخل اللبناني أو تجاه ملفات إقليمية.