IMLebanon

الجيش يجهّز “البيت الداخلي” لمواجهة السيناريوهات الأسوأ

كتبت رلى موفّق في “اللواء”:

في خضم التعقيدات السياسية الداخلية المتكئة على حسابات اقليمية، والتي تحول دون تأليف الحكومة وسط تصاعد الأزمات الحياتية مع استحالة استكمال سياسة الدعم على حساب الاحتياط الإلزامي لدى مصرف لبنان، فإن تساؤلات عدة تدور حول السيناريوهات المرتقبة للبلاد في لحظة ما بات يعرف بـ«الارتطام الكبير». لا إجابات يمكنها أن تخفف من حجم القلق في ظل تنامي الضائقة المعيشية واتساع رقعتها وترافقها مع عتمة مرشحة للازدياد وانعكاسها السلبي على كثير من الخدمات الضرورية وسط الانهيار المتمادي لليرة مقابل العملة الصعبة والذي تجاوز أمس عتبة الـ13 الف ليرة للدولار الواحد.

الواقع المأزوم يضع لبنان تحت المجهر الدولي على خطين: خط الأمن المجتمعي ومدى قدرة السلطات الأمنية على ضبطه والتعامل مع تحدياته. وتقول أوساط دبلوماسية إن هناك عملية رصد دقيقة تتم على هذا المستوى، لناحية عدم سقوط البلاد في الفوضى، بحيث تتفشى عصابات السرقة والتشليح والخطف والقتل بما يعني فقدان أبسط الضوابط الأمنية والتحول نحو شريعة الغاب. أما الخط الثاني، فهو مسك الحدود لجهة منع التهريب الذي أدى الى نزف اقتصادي – مالي باعتبار لبنان حديقة خلفية للنظام السوري ودول «محور إيران» واستخدامه ونظامه المصرفي ومرافقه الحيوية للالتفاف على العقوبات الأميركية والدولية.

هذه التحديات يتوقف عندها مرجع أمني بكثير من الواقعية. يقول: إن المعطيات المتوافرة تشي بأننا نتجه إلى مرحلة أصعب مما نحن عليه اليوم، وباتت الأزمة المعيشية تضغط على الجميع، بحيث أضحى التوتر مسيطراً على الناس، ومهيأة للانفعال على أي حدث صغيراً كان أم كبيراً. وبالتالي، فإن القوى الأمنية كان عليها أن تتحضر للسيناريوهات الأسوأ إذا ما أطلت برأسها. وكان لا بد أولاً من تثبيت وضع القوى الأمنية ولا سيما على مستوى الجيش اللبناني كي يكون حاضراً إذا انفلتت الأمور.

يروي أن الجيش مرَّ خلال الأشهر الماضية بصعوبات عدة نتيجة الانهيار المالي – الاقتصادي الذي أثر على وضع العسكر، فيما عليه أن يكون على جهوزية للحفاظ على الأمن والتعامل مع تحديات حراك الشارع من جهة والمهام الجديدة التي أوكلت إليه بعد انفجار المرفأ، والمسؤولية التي ألقيت على عاتقه سواء من الداخل أو الخارج، في عملية الإغاثة والمساعدات والكشف وما إلى هناك من أعباء طارئة، إلى حد أنه بات يراهن عليه، ويطلب منه حتى المشاركة في تنظيف بحيرة القرعون من الأسماك النافقة.

يروي المرجع أن دولا عدة قدمت مساعدات عينية مباشرة للجيش والقوى الأمنية تقدر بالملايين، وقدّم العراق مساعدة مادية عبارة عن مليوني دولار. وجرى الإفادة من تلك في تعزيز الأوضاع المعيشية للجنود وعائلاتهم، وتمَّ تثبيت وضع الطبابة والدواء، واعتمدت مرونة في الاجازات وأماكن الخدمة، ما أسهم في تحصين الوضع الداخلي للمؤسسة في هذا الوقت الدقيق.

يبدو جازماً في أن الأمن خط أحمر، وسيتم التعامل بحزم مع محاولات الارباك والاشغال للقوى الأمنية والعسكرية. كانت التعليمات سريعة بملاحقة وتوقيف مطلقي القنابل في طرابلس سواء على مركز حزب الكتائب أو في باب التبانة والقبة وتطويق التوتر الذي حصل مع جبل محسن على خلفية الانتخابات الرئاسية السورية. وتكبر المسؤولية مع الأرضية الرخوة في طرابلس حيث الفقر مدقع. وليست التحديات بقاعاً بسهلة في ملاحقة الخارجين على القانون. ولا كانت مهمة ضبط الحدود بالعمل البسيط.

فخلال الأشهر القليلة الماضية، تحقق الكثير على صعيد ضبط التهريب عبر الحدود. انخفضت نسبة تهريب البنزين والمازوت والغاز والقمح والطحين وغيرها من المواد المدعومة بشكل كبير.  لم يتم فقط اعتماد الملاحقات على الحدود ومصادرة الصهاريج والناقلات على أنواعها وتوقيف سائقيها، بل جرت دراسة حاجة منطقة البقاع إلى تلك المواد ولا سيما البنزين والمازوت والطلب من الجهات المعنية تسليم الكميات المطلوبة لتغطية الحاجة. كما جرت متابعة مكثفة لهذا الأمر. لا وهم بأن التهريب سيتوقف كلياً، ولكن يمكن القول أنه جرى ضبط معابر التهريب بنسبة تزيد عن 75 في المئة بقاعاً, وسيتم العمل على نفس الآلية شمالاً, وإن كان مستوى التهريب أقل بكثير. ويعتبر المرجع أن الأفواج الحدودية، وهي أربعة أنشئت لغاية ضبط الحدود ومنع التهريب بالتوازي مع الأبراج الـ32 المنتشرة على طول الحدود الشمالية – الشرقية، لعبت دوراً في تحقيق نتائج إيجابية.

ويشكل ضبط الحدود عنواناً أساسياً بالنسبة إلى المجتمع الدولي. جزء من الملف يرتبط بمنع تدفق السلاح إلى «حزب الله» ومرتبط بالقرار 1701، وتأتي الأبراج في سياق تنفيذ القرار الدولي في مساعدة الجيش اللبناني. غير أن لهذا الملف سياقه الدولي المختلف عن سياق ضبط المعابر لجهة تهريب السلع والمواد من الاتجاهين بما يلاقي البنود الإصلاحية المطلوبة من السلطات اللبنانية إذا كانت تأمل بالحصول على مساعدات دولية من أجل انقاذ الوضعين المالي- الاقتصادي. في شق تهريب السلع، يعول أن تسجل الأجهزة الأمنية تقدماً ملموساً من المهم أن يبقى مستداماً، وإن كانت ثمة أسئلة يطرحها المرجع حول الأجهزة الرقابية وغيابها وتقاعسها عن القيام بدورها وواجباتها.

لا وهم بأن الجيش قد يكون هو الحل. يمكن فهم اندفاعة البعض في اتجاه الرهان الذي عبرت عنه بعض الدول في الرهان على المجتمع المدني بعدما فقدت ثقتها بالطبقة السياسية في اعقاب ثورة 17 تشرين الأول 2019، والرهان على الجيش كمؤسسة قادرة على تأمين الاستقرار الأمني في البلاد، ولعب أدوار تخطت مهامه الأساسية، والاتجاه الدولي إلى الاستمرار بدعمها من خلال الكلام عن عقد مؤتمر خاص لتقديم العون والمساعدة له، لكن ذلك لا يجب أن يخلق انطباعاً خاطئاً بأن يحل محل السلطة السياسية، حيث المطلوب أن تقوم كل من السلطات بدورها.