جاء في المركزية:
في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون صباح 27 أيار الجاري، كان ملف مكافحة التهريب على الحدود الذي حوّل لبنان إلى معبر لتصدير المواد المخدرة على رأس جدول الأعمال. وعلى رغم تكثيف العمليات الأمنية والعسكرية على طول خطوط المعابر الخاضعة لسلطة المهربين، كشف تهريب شحنات مخدرات من لبنان إلى دول عربية وأوروبية، إلا أن ارتباط تلك العصابات بسياسيين”نافذين” يعيد كل الجهود المبذولة إلى نقطة الصفر.
قائد الشرطة القضائية السابق العميد أنور يحيى كشف عبر “المركزية” “أن التحقيقات في قضية الرمان المهرب عبر مرفأ بيروت إلى السعودية أظهرت وجود أجهزة سكانر معطلة منذ أعوام ، تفتقر إلى الصيانة وتأمين الجهوزية، وهي اساسا لا تستوفي الشروط التقنية المطلوبة مع ظهور الكبتاغون المستهلك بكثرة في الخليج ومن المنظمات الإرهابية. وعلى رغم الحملات المكثفة التي يقوم بها الجيش اللبناني والأمن العام لضبط التهريب ، إلا ان العمليات مستمرة براً الى سوريا ومنها إلى الدول العربية. هناك مساع من قبل الدولة لشراء أجهزة السكانر لاستخدامها على الحدود والكشف على الشاحنات والسفن والطائرات المغادرة”. ولفت إلى “أن حال الفراغ السياسي وانهيار قيمة النقد الوطني جعلا من راتب الموظف ضئيلا وغير كاف لتأمين أدنى ما تحتاجه العائلة، مما يجعل من بعض الموظفين في الإدارات الأمنية والأدارية والعسكرية أحيانا كثيرة ،عرضة لقبول الرشاوى المالية لقاء تسهيل تمرير الممنوعات الى الخارج”.
لا يخفي العميد يحيي “إمكانية استمرار شبكات التهريب بالتخطيط وتهريب الممنوعات إلى الخارج، بأعتبار أن ذلك يعود بالمنافع المالية الكبيرة،في حال نجحت العملية. أما عمليات التهريب البحري فتتم عن طريق نقل كميات وعلى دفعات،عبر قوارب صغيرة ،الى سفن ليست بعيدة من الشاطىء، بعيدا من رقابة الجمارك، أو بتواطؤ من عناصرها أحيانا. ولفت إلى “أن مسألة مراقبة الحدود لضبط أطنان الحشيشة قبل شحنها إلى الخارج من مسؤولية استخبارات الجيش اللبناني واعتماد المخبرين ، الذين يشكلون حجر دعم أساسيا في عمليات ضبط تهريب المخدرات قبل أجهزة السكانر وفقا لخبرتنا وما تعرفنا اليه في الولايات المتحدة الأميركية (DEA) Drug Enforcement Administration ) وأنظمة شرطة لندن Scotland Yard”..
تفاقم عمليات تهريب المخدرات ردها العميد يحيى إلى الحرب السورية التي حولت القسم الأكبر من معامل تصنيع المخدرات في شمالي سوريا الى الحدود اللبنانية السورية ومنطقة القصير والطفيل وغيرها من المناطق ذات الحدود المشتركة، ” مما يصعب ضبطها من قبل دولة واحدة، ويستوجب التنسيق بين الدول وهذا لا يتم، مما يسهل مرور الممنوعات برا. أضف إلى ذلك أن المرفأ شبه المعطل منذ 4 أب 2020، وضعف حركة المطار، حولا مسار عمليات التهريب إلى المعابر البرية، سيما وأن الشواطئ اللبنانية مراقبة بالإجمال من قبل قوات الطوارىء الدولية. وهذا ما يفسر ربما نجاح إحباط عملية تهريب الحشيشة عبر مرفأ صيدا البحري القريب من رقابة قوات اليونيفيل UNIFIL حيث سفنها الحربية تراقب الشواطىء”.
العميد يحيى شدد على ضرورة “وضع ميزانية كبيرة للمخبرين وهم في غالبية الأحيان أعضاء في شبكات التهريب، واعتماد أسلوب التسليم المراقب Delivery Control ، أي متابعة مرور شحنة المخدرات إلى الوجهة المحددة بالتعاون مع أجهزة الدولة التي ستستقبل الشحنة، فيتم التعرف الى أصحابها ومن سيستلمها كما يساعد في كشف كافة تفاصيل العملية بالتنسيق مع القضاء المختص. أما القضاء فله الدور الأبرز عبر التشدد بالأحكام من جهة، خصوصا أن غالبية المهربين مرتبطون بشخصيات ذات نفوذ في الدولة أحيانا، كما يتوجب عليه فرض رقابة صارمة على عمل الضابطة العدلية والتحري والجمارك والأمن العام، والانتقال ميدانيا لمراقبة هذه التحقيقات المغرية للمحققين والمكلفين بملاحقة جرائم الاتجار بالمخدرات”.
ويختم: “إمكانيات الدولة شبه المفككة والضعيفة، لا تسمح وحدها بالتصدي لشبكات الأتجار بالمخدرات المدعومة والقوية ، من هنا فإن تعاون المواطن أساسي من خلال تقديم المعلومات الى مكتب مكافحة المخدرات العامل ضمن الشرطة القضائية، والمكلف وحده قانونا بالتصدي لمكافحة عمليات تهريب المخدرات إستهلاكا وزراعة وترويجا وتجارة سواء داخل الوطن أو خارجه. وعلى الدولة تجهيز المكتب عدّة وعديدا. يبقى أن تنسيق المكتب مع إدارة الجمارك والأمن العام بإشراف النيابة العامة المختصة هو الطريق الوحيد للحد من تفشي عصابات تهريب المخدرات إلى الخارج، حيث يشكل إساءة إلى سمعة لبنان وأجهزته الأمنية والعسكرية والقضائية!”.