كتبت ميسم رزق في “الاخبار”:
على مدى أشهر، بعدَ فرض وزارتَي الخزانة والخارجية الأميركيتين عقوبات على رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، لم يتوقّف التشفّي بالخصم الأكبر لغالبية الأطراف الداخلية. فمستقبله السياسي، في نظر معارضيه، أصيب بمقتل، وبسهم لم يحلموا به، كونهم رأوا أن القرار أخرجَ باسيل من صدارة السباق إلى رئاسة الجمهورية. وكانَ هؤلاء يمنّون النفس باستكمال هذه العقوبات بأخرى أوروبية تحدّثت عنها فرنسا، حتى تكون الضربة قاضية لا قيام بعدها. إلا أن أحداثاً كثيرة تبِعت هذه العقوبات جعلت فرصة خروج باسيل من هذه الشباك أكبر.
قبل مدّة، زارَت شخصيات لبنانية باريس وعلى جدول أعمالها لقاءات مع مسؤولين فرنسيين على صلة بالملف اللبناني، وقد خالفَت المعلومات التي سمعتها التوقّعات إلى حدّ وصفها – باستهزاء – الرئيس إيمانويل ماكرون بـ«العوني». إلا أن جدية هذه المعلومات تكمن في أن الاتجاه الفرنسي، وعلى عكس كل ما أوحت به زيارة وزير الخارجية جان إيف لودريان الأخيرة لبيروت، يصبّ في مصلحة باسيل. إذ على المفترق الإقليمي والدولي يغلب التريّث على موقف الإليزيه الذي بات رئيسه مقتنعاً بأنه «لا يُمكن لفرنسا أن تحافظ على دورها ووجودها في المنطقة إلا عبر حجز مكانة لها في لبنان، وهذه المكانة لا يُمكن أن تُؤمّن إلا من خلال الإبقاء على علاقة جيدة مع التيار الوطني الحر كما مع حليفه الأساسي حزب الله». ففي حال «نجحت محادثات فيينا بين الإيرانيين والأميركيين من دون أن تنجح باريس في فرض بصماتها، فإن ذلِك سيغلق أمامها الباب الأخير في منطقة الشرق الأوسط».
وفي هذا السياق، سمعَ المسؤولون اللبنانيون، وجُلّهم من غير المعجبين بباسيل، من أعضاء في فريق الإليزيه أن «الرئيس ماكرون باتَ مقتنعاً أن الطريق إلى دعم العونيين في المشهد اللبناني يمرّ من خلال إعادة تأهيل صورة باسيل دولياً». كذلك فإن فريق لبنان في العاصمة الفرنسية يرى أن العقوبات الأميركية لم تؤدّ إلى تغيير سياسة باسيل، وبالتالي فإن مصير أيّ عقوبات أوروبية سيكون مشابهاً لجهة عدم القدرة على الضغط على رئيس «التيار». لذا فإن ماكرون، وبحسب ما أسرّ المسؤولون الفرنسيون «بدأ يتحرك في اتجاه البيت الأبيض، حيث يحاول مع الإدارة الأميركية الجديدة رفع العقوبات عن باسيل». وأشار هؤلاء إلى أن استثناء باسيل من قائمة لقاءات المسؤولين الفرنسيين لا يعكس حقيقة ما يدور في الإليزيه، فالفرنسيون لا يريدون أن يذهبوا بعيداً في تحدّي الأميركيين، لكنهم على خطّ موازٍ بدأوا العمل فعلاً على حلّ ملف رئيس التيار الوطني الحرّ. حتى إن نبرة حديثهم تجاه الرئيس المكلف سعد الحريري تبدّلت، بعدَ أن لمسوا من خلال التجربة عدم التزامه بتعهّداته ولا تسهيله لمبادرتهم، كما تأكدوا بأنه يتحمّل هو أيضاً مسؤولية التعطيل، وليسَ كما كان يُروّج بأن باسيل وفريق رئيس الجمهورية هم المسؤولون الحصريون عن نسف كل صيغة للتفاهم. وفيما أكدت مصادر في التيار الوطني الحر وجود مثل هذه الأجواء، إلا أنها «تحاذر تصديقها، فلا شيء مؤكّداً حتى الآن. كما أنه لا يُمكن التسليم كلياً بما يقال عن أن الرئيس الفرنسي يأخذ جانب الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل».