لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى أن “لبنان سيخرج من تحت الأنقاض وسيعود دولة مستقلّة سيدة وحرّة وحيادية”، مضيفاً، “لو أدركت الجماعة الحاكمة خصوصية وهوية لبنان لما سلكت درب الفساد”.
وحيّا الراعي خلال عظة الأحد “المجموعات المنتفضة على ظلم الأمر الواقع والمحاصصة فالسلطة الحاكمة التي لا يمكنها تأمين أدنى مقومات الحياة أعلنت فشلها بنفسها”.
واعتبر أن “هناك جزء من الأزمة مفتعل بسبب الجشع والاحتكار ونعم لترشيد الدعم من دون المسّ بأموال الاحتياط التي هي أموال الناس”. وسأل، “أين القوى الأمنية من مكافحة الإحتكار؟ فهل الدولة استقالت من مهامها؟ أم هي متواطئة على شعبها؟”.
وجاء في العظة:
لو أدركت الجماعة السياسيّة عندنا رسالة لبنان وقيمتها في الأسرتين العربيّة والدوليّة! ولو أدركوا خصوصيّته وهويّته! لحافظوا عليه وقطعوا الطريق عن الساعين إلى تشويهه. إنّنا نحيّي القوى الجديدة المنتفضة على المحاصصة والفساد والمحسوبيّات والخيارات الخاطئة والتقصير في تحمّل المسؤوليّة. على هذه القوى الجديدة يبنى لبنان، لا على جماعة سياسيّة غير قادرة على تأليف حكومة، ولا حتى على تأمين دواء ورغيف وكهرباء ومحروقات، فأعلنت هي بنفسها فشلها.
نعرف الصعوبات ونقدّرها، غير أن هناك جزءًا من الأزمة مفتعل بسبب الجشع والاحتكار. لقد حان الوقت لترشيد الدعم من دون المسّ بالمال الاحتياطيّ في مصرف لبنان الذي هو مال المودعين. وهو خصوصًا مال الطبقتين الوسطى والفقيرة لأنّ الباقين حوّلوا أموالهم إلى الخارج، على ما يبدو. ولكنْ، بين تأخير التمويل وهو كاف لحاجة السوق اللبنانيّة، وبين تخزين الأدوية المستوردة وتكديسها في المخازن من دون توزيعها رغبةً بالكسب بعد رفع الدعم، وبين فقدان رقابة وزارة الصحّة والأجهزة القضائيّة والأمنيّة على هذه المخازن والصيدلياّت، وبين التهريب والتلاعب في قواعد التوزيع، بين كل ذلك، يدفع المواطنون اللبنانيّون ثمن هذا الاستهتار بالحياة.
فمن واجبات الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة ومؤسّسات الرقابة، القيام بدهم المستودعات ووقف الإحتكار، وإغلاق معابر التهريب. ونتساءل: ما هذا التقصير العام؟ هل أضربت جميع مؤسّسات الدولة؟ أنحن أمام دولة متواطئة بكاملها على شعبها بكامله؟
إنّنا من الناحية الإنسانيّة، إذ نتفّهم الموقف السياسيّ للدول الشقيقة والصديقة التي تربط مساعدة دولة لبنان بتأليف حكومة تقوم بإصلاحات جديّة، فإن الوضع المأسوي الذي بلغه الشعب اللبنانيّ يدفعنا لنستحثّ هذه الدول على مساعدة هذا الشعب قبل فوات الأوان. فالشعب بريء من دولته، ومن خياراتها، ومن حكومته، ومن الجماعة السياسيّة عمومًا. إنّ شعب لبنان يستحق المساعدة لأنّه يستحقّ الحياة، وأنتم تعرفونه.
أمّا من الناحية الوطنيّة، ليس لنا مخرجًا من أزماتنا السياسيّة والاقتصادية والماليّة والمعيشيّة إلّا بعقد مؤتمر دوليّ خاص بلبنان، برعاية منظّمة الأمم المتّحدة، غايته:
1) تطبيق قرارات مجلس الأمن بكاملها، استكمالاً لتطبيق وثيقة الوفاق الوطنيّ الصادرة عن مؤتمر الطائف (1989) بكامل نصّها وبروحها؛
2) إعلان حياد لبنان بحيث يتمكّن من أن يؤدّي دوره كوسيط سلام واستقرار وحوار في بيئته العربيّة، وكمدافع عن القضايا العربيّة المشتركة، فلا يكون منصّة للحرب والنزاع والسلاح؛
3) إيجاد حلّ لنصف مليون لاجئ فلسطيني على أرضه، والسعي الجدّي لعودة النازحين السوريّين المليون ونصف المليون إلى وطنهم، وممارسة حقوقهم المدنيّة على أرضه. فلبنان المنهوك تحت وطأة الأزمات، لا يستطيع حمل عبء نصف سكّانه مضافاً.