IMLebanon

لبنانيات يواجهن الأزمة الاقتصادية بالعمل الزراعي

كتبت أنديرا مطر في “القبس”:

في حقل تملكه في بلدة الهبارية جنوب لبنان، تمضي الشابة كارينا جمعة القسم الأكبر من يومها. تفلح الأرض، تعشّب الزرع، وتشحّل أشجار الزيتون. تقول بفخر وحماسة «انا فلاحة وسعيدة»، وتشجّع الشباب الذين فقدوا وظائفهم ويملكون قطعة أرض، على الاقتداء بها.

وألقت الأزمة الاقتصادية المالية غير المسبوقة التي تعصف بلبنان تداعيات على معظم اللبنانيين الذين أصبح أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، بعدما خسرت العملة الوطنية أكثر من %80 من قيمتها، وتسبب انهيار القطاعات الصناعية واغلاق المؤسسات لخسارة ما يقرب من % 35 لاعمالهم ووظائفهم.

وبفعل الازمات المتتالية: مالية اقتصادية، ثم كورونا، ثم انفجار المرفأ وصولا الى الازمة السياسية الراهنة، انهار البلد وانهارت معه طموحات واحلام ابنائه.

رفضت كارينا، السيدة الثلاثينية وام لطفلين الاستسلام للواقع المر. وبعد أن خسرت عملها في بيروت جراء هذه الأزمة، انتقلت الى بلدتها وبدأت الاهتمام بالارض التي تملكها عائلتها.

من حقلها في منطقة الدوارة في الهبارية روت كارينا لـ القبس تجربتها الزراعية التي تثير استغراب البعض وإعجابهم في آن، وتقول «لم يورثني والدي مالاً ولا عقاراً.. أورثني حقلاً من الزيتون أصبح مصدر رزق لي ولعائلتي».

لو كانت ظروف البلد طبيعية وفرص العمل متوافرة ما كانت هذه السيدة لتختار هذا العمل الشاق، ربما. قبل سنتين كانت كارينا تعمل في بيروت، شأنها شأن الكثيرين من أبناء القرى. وهي تنقلت في اشغال كثيرة، فعملت في بيع الألبسة وفي شركة سياحة داخلية وفي عيادة طبية، الى أن وجدت نفسها بعد انفجار المرفأ بلا عمل: «لم أعد املك كلفة الاقامة في بيروت، وضّبت حقيبتي وعدت الى قريتي وأرضي».

حماسة كارينا وهي تصف لنا مراحل العمل الزراعي وكيف تغدو الى الحقل مع شروق الشمس تعكس حباً وشغفاً بهذا العمل أكثر من كونه خياراً بحكم الضرورة: «تعطيك الأرض قدر ما تعطيها من اهتمام ورعاية. انا اعيش من خيرات الارض. ابيع الزيتون وزيت الزيتون واصنع المربيات، واؤمن الخضار الطازجة لبيتي.. انتج واعيش ولا احتاج احدا».

لا تأبه الشابة «الفلاحة» إلى نظرة المجتمع الذي اعتاد التفاخر الأجوف. يظن كثيرون أن العمل في الأرض حكر على الرجال وأن أعمال الري والفلاحة والقطاف لا تليق بالمرأة: «يمكن للمرأة القيام بأي عمل، كما تقود السيارة يمكنها ان تستعمل الجزازة لنزع الاعشاب وتشحّل الزيتون وتقطع الحطب. الأمر بهذه البساطة».

وبينما تأخذ استراحة بفيء شجرة «اكي دنيا» ترندح اغنية للمطربة الراحلة صباح «راجعة على ضيعتنا وعالأرض اللي ربتنا، ندر عليي بوس الأرض الحبيناها وحبتنا».

شاركت كارينا في انتفاضة تشرين الأول 2019 وعلقت آمالاً على تحقيق تغيير ما في عقلية السلطة التي تمعن في اذلال مواطنيها. اليوم يشعر الشباب اللبناني ان لا مستقبل لهم في هذه البلاد التي اصبحت بلد المليون عاطل عن العمل. برأي كارينا، ثمة فرص كثيرة للعمل لمن يريد، ولكن «في ناس ما بدها تشتغل». وتضيف: «قاعدين وحاطين الحزن بالجرن. اطلعوا عالأرض. اشتغلوا وعيشوا من خيراتها».

المونة مصدر رزق

من أقصى الجنوب الى أقصى البقاع، في بلدة القاع الحدودية، نموذج آخر لسيدة خسرت عملها جراء الأزمة الاقتصادية فاتجهت الى مشروع خاص غير بعيد عن الأرض ومواسمها: صناعة «المونة».

يولا سعد كانت تملك متجرا لبيع الألبسة لكن شح الدولار وعدم قدرتها على استيراد البضاعة الأجنبية ارغماها على اقفاله، «حتى الصناعة المحلية صارت مكلفة وتراجعت نسبة المبيع».

ولأن القاع بلدة زراعية، كان الخيار الأنسب لها هو صناعة المونة التي تشمل كل أصناف المربيات والكشك والمكدوس ودبس الرمان والعنب وجميع أنواع الألبان والأجبان وسواها.

وتنتظر يولا موسم الصيف الذي سيشهد عودة كثيفة للمغتربين، وخصوصا أبناء البلدة المنتشرين في اوروبا ودول الخليج. وتقول ان الاعتماد الأكبر في تصريف الانتاج هو على المغتربين الذين يحنون دائما الى اللقمة البيتية ويحرصون على حمل المونة معهم الى بلدان الاغتراب.

لكل موسم مونته. هذا العمل يستمر على مدار السنة ويؤمن مدخولاً جيدا. كما ان الاقبال عليه يتزايد في القرى، حيث أصبح مصدر رزق لشريحة كبرى من العائلات التي تبيع منتوجها إلى بعض المؤسسات الفندقية او لسيدات عاملات لا يُجدن تحضيرها.