Site icon IMLebanon

حكومة انتخابات أم تطبيع؟

كتب شارل جبور في “الجمهورية”:

يتعامل النظام السوري مع الانتخابات الرئاسية التي نظّمها وكأنّها محطة مفصلية بين مرحلتين: طي صفحة الثورة والحرب، وفتح صفحة جديدة بسياسات قديمة، تتمحور حول السعي الى استعادة الدور السياسي السابق وفي الطليعة التطبيع مع لبنان، ما يعني عودة الإنقسام اللبناني من الباب السوري.

لا يأبه النظام السوري، بطبيعة الحال، للموقف الدولي الذي كان وصف في بيان مشترك صدر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة ومجموعة من الدول الأوروبية، الانتخابات الرئاسية السورية بغير الشرعية، إنما جلّ ما يهمه ان يوظِّف هذه الانتخابات في خدمة دوره السياسي داخل سوريا وخارجها وبرعاية روسية، حيث انّ موطئ القدم الذي انتزعته موسكو في دمشق سعياً الى دور لها في الشرق الأوسط، لا يمكنها تحقيقه مباشرة إنما بواسطة جهة سياسية سورية، وضعف النظام يشكّل أفضل وضعية بالنسبة إليها، كونها تريد واجهة لسياساتها فقط لا غير، ولا يناسبها وجود دولة قائمة بذاتها، وهذا يعني انّ النظام سيستمر برعاية روسية بانتظار التسوية النهائية في المنطقة، وسياسات هذا النظام ستكون مضبوطة بشكل أو بآخر تحت السقف الروسي.

وبما انّ اللعب داخل المسرح السياسي السوري محدود بفعل الواقع الروسي من جهة، والمناطق المقسّمة ولاءات ونفوذ يصعب تغييرها او تحريكها في الوقت الحاضر من جهة أخرى، فإنّ اهتمام النظام السوري سيتركّز على المسرح اللبناني، كونه وحده القادر على منحه الدور الذي يفتقده، وبحاجة إليه كمنصّة لإطلالته السياسية من لبنان على الداخل السوري، ومن لبنان على العالم العربي واستطراداً على المجتمع الدولي، حيث انّه يريد ان يستعيد عن طريق لبنان الشرعية السياسية الدولية التي لم تمنحه إيّاها الانتخابات السورية.

ومن هنا يجب الاستعداد لبنانياً لمرحلة جديدة من الضغوط التي سيبدأ النظام السوري ممارستها، سعياً لتطبيع سياسي لا يمكنه انتزاعه مع اي دولة عربية أخرى، والأهم انّ لبنان بانقساماته وخلافاته يشكّل التربة الأنسب لاستعادة النظام السوري دوره الخارجي ولو إعلامياً، فيما هو غير قادر طبعاً على استعادة دوره الداخلي، ولذلك، سيضع كل تركيزه على لبنان الذي يمثِّل، بالنسبة إليه، الرئة السياسية التي يتنفّس منها، ما يعني إحياء أحد الملفات الخلافية الأساسية إلى جانب الخلاف الكبير المتمحور حول سلاح «حزب الله» ودوره.

وإذا كان للنظام السوري كلّ المصلحة بالدخول على الخط اللبناني، فإنّ لدى بعض القوى والشخصيات اللبنانية المصلحة نفسها في الاستقواء بهذا النظام على الطريقة القديمة، وهذا ما يفسِّر التسابق في رسائل التهنئة استعداداً لانفتاح علني يختلف عن المرحلة السابقة، متكئين على إدارة أميركية فرملت العقوبات، وعلى مفاوضات متعدّدة الأوجه تنقل المنطقة من التشنُّج إلى الليونة وتفتحها على حلول ولو بعد حين، خصوصاً انّ الانفتاح اللبناني يتزامن مع دخول لبنان في مدار الانتخابات الرئاسية والتسابق بين شخصيات 8 آذار على نيل دعم النظام السوري.

ولا شك انّ الصورة مضحكة وحزينة وهزيلة، لأنّ بعض القوى اللبنانية التي اعتادت على التبعية تريد ان تنتزع شرعية من نظام لم يستعد شرعيته السورية والعربية والغربية، والأسوأ انّها في ممارستها السياسية التعطيلية وجّهت رسالة إلى القوى الدولية بأنّ اللبنانيين عاجزين عن حكم نفسهم بنفسهم، وانّ الوضع اللبناني في زمن الوصاية السورية هو أفضل مما عليه اليوم، وقد استفاد النظام من هذا الوضع من أجل ان يعيد تحريك محركاته في لبنان.

ولكن الأساس في هذه الصورة، انّ ثمة مصلحة متبادلة بين النظام السوري الذي يريد استعادة لبنان كمنصّة متقدّمة لدوره، وبين القوى والشخصيات التي تدور في فلك محور الممانعة والتي ستتسابق على كسب ودّه السياسي، ما يعني توقُّع زيارات ولقاءات واتصالات وتواصل وتنسيق.

وفي كل هذا المشهد، ما طبيعة الحكومة التي يُعمل على تأليفها؟ هل ستكون حكومة إصلاحات؟ بالتأكيد كلا، لأنّ ما لم يتحقق مع الحكومة المستقيلة لن يتحقق مع اي حكومة جديدة، كون المشكلة ليست في الحكومة بذاتها، إنما في الفريق الحاكم.

وهل ستكون حكومة انتخابات؟ يجب ان تكون كذلك، كون البلد دخل في العدّ التنازلي لهذه الانتخابات التي تستعد لها كل القوى السياسية وبشكل غير مسبوق، كما تنتظرها الناس من أجل توجيه رسائلها الاعتراضية على الممارسة السياسية في صناديق الاقتراع. واي حكومة انتخابات يجب ان تكون خالية من اي مرشح بدءاً من رئيسها، الأمر الذي يفترض أن يشكّل مخرجاً للرئيس المكلّف سعد الحريري من أجل الاعتذار، خصوصاً انّه لن يتمكن من الانسجام مع سياسات العهد في نهاية ولايته، وسعيه بكل قوته للاحتفاظ بنفوذه بعد انتهاء هذه الولاية.

ولكن، ماذا لو كانت الحكومة العتيدة حكومة التطبيع مع النظام السوري؟ والأرجح ستكون كذلك في ظلّ المصلحة المشتركة بين فئتين: النظام الذي سيضع التطبيع كهدف أول من أهدافه، والشخصيات التي تدور في فلك هذا النظام في لبنان، والباحثة عن دور في مرحلة مفتوحة على استحقاقات نيابية ورئاسية، وبالتالي ستكون مادة سياسية ساخنة ومتفجّرة، الأمر الذي يستدعي من الحريري وفريقه ان يدرس جدّياً مصلحته بأن يكون رئيساً لحكومة ستضع التطبيع في طليعة أجندتها السياسية، فإذا وافق تناقض مع بيئته وعمق هذه البيئة، وإذا رفض دخلت الحكومة في انقسامات ما بعدها انقسامات، وإذا تجاهل الأمر يكون في موقع المغطي والمظلّل لهذا التطور، فيما المصلحة اليوم تكمن في ترك هذا الفريق وشأنه مالياً وسياسياً والتهيؤ للانتخابات سعياً لإسقاطه واستبداله.

وقد يكون رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أوّل المهنئين للأسد، في زيارة تحمل أكثر من رسالة في أكثر من اتجاه، ما يعني انّ العهد سيقود عملية التطبيع لحسابات رئاسية، متلطياً بملف النازحين شعبياً والغطاء الروسي لسوريا عربياً ودولياً، وبالتالي اي رئيس حكومة سيكون أمام خيارين: الصدام مع العهد من باب التطبيع، او السير معه في هذا التطبيع.

وبمعزل عن موقف الرئيس المكلّف تشكيلا أم اعتذاراً، فإنّ الحكومة المقبلة ستكون حكومة التطبيع مع النظام السوري، متذرعة بالنازحين والأسطوانة القديمة، ومتكئة على التبريد العربي والغربي المترافق مع المسار التفاوضي الأميركي-الإيراني والسعودي-الإيراني والسعودي-السوري، ما يعني ضرورة التهيؤ لتسخين جديد على وقع مالي مهترئ.