كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
يوم وافقت نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر على تسلم وزارة الخارجية كان شرطها انها لن تسمح لاي جهة بإفشال عملها، وان عملها سيكون بمعزل عن اي تدخلات او دخول في دهاليز السياسة وما شاكل. تسلمت عكر الخارجية وحوّلتها الى خلية عمل، في اليوم الاول جمعت الى طاولة مستديرة مدراء وسفراء كان لقاؤهم مستحيلاً نتيجة الخلافات في ما بينهم، وفي الثاني والثالث انهالت التعاميم المتعلقة بالموظفين لضبط الاداء ووقف السجالات، ما عرضها الى حملة انتقادات داخلية لتعرضها لحرية الموظف في التعبير عن غضبه في اسوأ ظروفه والتضييق عليه.
تشهد وزارة الخارجية والمغتربين بلبلة في صفوف الموظفين على خلفية ثلاثة تعاميم اصدرتها نائبة رئيس الحكومة الوزيرة زينة عكر، يقضي الاول بضرورة عودة عمل الموظفين بدوام كامل في الوزارة، فيما التعميمان الآخران تمنع بموجبهما الموظفين من نشر آراء ذات طابع انتقادي او تهكمي على اي من الامور العامة التي تخص ادارات الدولة. تقول المذكرة الاولى “عطفاً على التعميم رقم 35 تاريخ 24 /8 /2018 المتعلق بوجوب الامتناع عن نشر آراء انتقادية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد ان تبين ان عدداً من الموظفين أقدم مؤخراً على نشر آراء على مواقع التواصل الاجتماعي، تعكس مواقف سياسية او اجتماعية لهم عن الاحداث التي تجري حالياً، وطالما أن غالبية موظفي الوزارة يملكون حسابات شخصية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك فان وزير المغتربين يذكر جميع العاملين بوجوب التحلي بالمناقبية الوظيفية والمسؤولية الشخصية عند نشر أية آراء على مواقع التواصل، آخذين في الاعتبار طبيعة عملهم في الوزارة حتى لا يفسح في المجال للمتابعين لهم على هذه المواقع تفسيرها كانعكاس لمواقف مرتبطة بمواقع عملهم.
ان وزير الخارجية والمغتربين يذكر كافة الموظفين في السلكين الديبلوماسي والاداري على كافة المستويات الوظيفية، بضرورة تغليب المناقبية الوظيفية واحترام مقام العمل على اي آراء يتم نشرها وتتصل بالشأن العام”.
في حين تتوجه بالثانية الى رؤساء الوحدات الادارية في الادارة المركزية، تطلب من خلالها بالتعميم على العاملين تحت اشرافهم وجوب الامتناع عن نشر آراء ذات طابع انتقادي او تهكمي على اي من الامور العامة التي تخص ادارات الدولة، وذلك لتجنب تفسير هذه الآراء من قبل الآخرين على انها صدى لموقع العمل الذي يشغلونه في اي من الوحدات الادارية في وزارة الخارجية والمغتربين، على ان يتحمل اي مخالف لهذا التعميم تبعات نشر آرائه الانتقادية او التهكمية بصفته الشخصية.
وقوبل هذان التعميمان باستياء الموظفين خصوصاً وقد سبقهما تعميم الزامية الحضور بدوام كامل للموظفين، في ظل قرار التعبئة الذي لم تكسره لغاية اليوم الا وزارة الصحة ورئاسة الحكومة، و”السبب ان عدداً كبيراً من الموظفين يقيمون خارج بيروت ويضطرون لقطع مسافات طويلة للالتحاق بوظيفتهم في ظل ازمة المحروقات وارتفاع بدل النقل”.
وأما لناحية منع التعليقات عبر مواقع التواصل فمرده في الاساس الى الحلقة التلفزيونية الاخيرة لبرنامج باسم الشعب الذي نشر عبر محطة MTV، والتي تناولت مخالفات امين عام الوزارة أمين الشميطلي وخلافاته مع مدراء في الوزارة، والتي صار يتشارك الموظفون مقتطفات منها وتعميمها عبر مواقع التواصل مرفقة بالتعليقات.
هذا فضلاً عن الخلافات الواقعة بين مدراء الاقسام في الوزارة والتي وصلت الى حد رفع الدعاوى القضائية بين الامين العام ومدراء مصالح في الوزارة، والمعلومات التي تفيد ان الشميطلي رفض توقيع جدول رواتب السلك الخارجي لخلافه مع احدهم، ورغبته في كف يد احد السفراء متجاوزاً صلاحياته.
غير أن مصدراً مسؤولاً في وزارة الخارجية اوضح ان التعبئة التي أملت عدم التحاق الموظفين بمراكز عملهم، ارتبطت بتفشي وباء كورونا وليس بأزمة المحروقات، اما وقد تراجعت الاصابات وعاد البلد الى طبيعته تدريجياً، فقد بات طبيعياً إلتحاق الموظفين بمقار عملهم. وفي ما يتعلق بالتعميمين المتعلقين بعدم ادلاء الموظفين بآرائهم فقال المصدر المسؤول: “ليس الهدف قمع حرية الموظف في التعبير وانما تطبيق التعميم السابق والمعمول به حتى تاريخه استنادا الى المادة 15من المرسوم الاشتراعي رقم 112/1959 (نظام الموظفين)، والتي تحظر على الموظف ان يلقي او ينشر دون إذن خطي من رئيس ادارته، خطباً او مقالات او تصريحات او مؤلفات في أي شأن كان (وهي مادة لم تعدل الا مرتين آخرها في العام 1992)”. وبالتالي فالمطلوب بحسب المصدر المسؤول الحصول على الاذن قبل التصريح للاعلام او الرد على ما ينشر، وان الهدف وقف السجالات الاعلامية التي من شأنها ان تسيء الى موقع وزارة الخارجية وسمعتها.
هذان التعميمان يبرزان أهمية تعديل أنظمة الموظفين وتطويرها بما يحاكي عصر التكنولوجيا والتطور، فضلاً عن عدم إمكانية تطبيق هذه الأنظمة لانها وجدت لزمن تجاوز الستين عاماً. وأصبحت وسائل الاعلام فردية ومتاحة للجميع اضافة الى عدم التمييز بين الاعلام المتاح للجميع وبين الاعلام الشخصي الذي يشبه الرسائل الخاصة، غير ان تشريع الباب امام سجالات اعلامية لأغراض سياسية يسيء الى الادارة وهيبتها وهو ما يحصل اليوم في أغلب الادارات.