وجه رئيس تيار “الكرامة” النائب فيصل عمر كرامي كلمة من دارته في طرابلس، بمناسبة الذكرى 34 لاستشهاد عمه الرئيس رشيد كرامي، فقال: “كم هي حزينة ذكرى رشيد كرامي هذا العام. وكم هو مؤلم ان يكون الوطن الذي آمن به وعاش يحلم ويعمل لتمتين بنيانه واستشهد في سبيل وحدته وبقائه، كم هو مؤلم ان يكون هذا الوطن موشكا على الانهيار والزوال. ولكنني أعلم يقينا ان رشيد كرامي الذي واجه الحروب الاهلية المشؤومة وانهيار مؤسسات الدولة والانقسامات القاتلة بين اللبنانيين، لم يفقد يوما ايمانه بلبنان وبقدرة اللبنانيين على النهوض، وانه اليوم يناشدنا بأن لا نستسلم للعواصف العاتية التي تضربنا من كل الاتجاهات، وبأن نتذكر دوما بأن لبناننا وطن صنعته الارادات المخلصة ولن تنقذه اليوم سوى هذه الارادات”.
أضاف: “في ذكراك يا شهيد لبنان، نؤكد لك ايها الرشيد ان ايماننا بلبنان لن يتزعزع وسنبذل الغالي والرخيص للخروج من هذه المحنة الكبرى واستعادة الوطن الاستثنائي الذي بناه رجال استثنائيون، وهم بنوه ليبقى وسيبقى”.
وتابع: “لقد قدم لنا رشيد كرامي خلال حياته النموذج الارقى لمواصفات رئيس الحكومة، فكان رجل الدولة الذي ينطلق في كل ما يفعل ويقول من المصلحة الوطنية العليا، وكان باني المؤسسات الساعي الى دولة القانون والعدالة والمواطنة التي تحصن الوطن، وكان رمز النزاهة ونظافة الكف، معتبرا دائما ان المال العام هو قدس الاقداس، وكان المؤمن بالحوار وسيلة وحيدة لمقاربة الاختلافات التي تطرأ بين اللبنانيين، وكان المدرك بأن الحكم هيبة وسمعة وقيمة وحنكة ورفعة ومرونة وحزم وانفتاح ومسؤولية امام الشعب والتاريخ”.
وقال: “من موقعه الوطني الجامع، استطاع رشيد كرامي أن يكون زعيما سنيا، وكانت الزعامة السنية آنذاك مرادفة للزعامة العروبية، وهو سئل يوما في التلفزيون الفرنسي ان كان يفضل عروبته على لبنانيته، فأجاب بابتسامة ان هذا السؤال هو كمن يسأل شخصا ان كان يحب امه اكثر من ابيه. ولم يكن جواب رشيد كرامي دبلوماسيا، بل هو يعبر بصدق عن واقع تميزت خلاله الطائفة السنية من بين كل طوائف لبنان بأنها أكبر من مجرد طائفة، وبأنها أمة، وتحمل قضايا ومبادئ وثوابت الأمة، وبأن هذه الطائفة لا يمكن ان يختصرها رجل واحد بتياره او بشخصه”.
وسأل: “لماذا نحن اليوم بلا حكومة؟ ولماذا يتحفنا المسؤولون عن تشكيل حكومة جديدة بقراءات عبثية للنصوص الدستورية؟ ولماذا حول الممسكون بالسلطة منذ 30 عاما الطائف من اتفاق مبني على التفاهم بين اللبنانيين الى مصدر اختلاف دائم بينهم؟ الجواب عن كل هذه الاسئلة واحد: وهو ان الطائف لم يتم تطبيقه والنص الدستوري تحول الى نص شكلي وابتكرت المنظومة الحاكمة بدعة الترويكة، ثم بدعة الديموقراطية التوافقية فألغت دور المجلس النيابي ونسفت القاعدة الاساسية التي تقوم عليها الديموقراطية، وهي وجود موالاة ومعارضة”.
وقال: “نحن فعليا نعيش في فيدرالية طائفية مقنعة تتحكم بكل تفاصيل العمل البرلماني والحكومي وتطيح بالاسس والمواثيق التي قام عليها لبنان. ان النص الدستوري المتعلق بتشكيل الحكومة واضح ولا يحتمل تفاسير واجتهادات، وهو ان الرئيس المكلف يقوم بتأليف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية. ويخطئ من يعتقد بأن المشرعين الذين وضعوا هذا النص لم يدققوا بكل كلمة جاءت فيه، كما يخطئ من يعتقد بأن كلمة “اتفاق” هي مجرد مفردة انشائية. ان الاتفاق هو جوهر وروح التفاهم الذي توافق عليه اللبنانيون وكرسوه في دستورهم نصا وروحا. وليس العجز الحاصل اليوم عن التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، سوى انعكاس طبيعي لمسار الاخلال بالطائف وعدم تطبيقه وتحويل الشعب اللبناني الى مجموعات ومكونات مذهبية متناحرة، حولت الشراكة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين الى محاصصات وحقوق مذهبية وغيرت وجه لبنان”.
أضاف: “ولمن يبحثون عن مخارج دستورية من الازمة التي نعيشها أقول أن المخرج الدستوري الوحيد وربما شبه المستحيل للأسف، هو بيد مجلس النواب الذي يتوجب عليه فورا البدء بتطبيق الطائف عبر اقرار قانون انتخابات خارج القيد الطائفي، يكون خطوة تأسيسية لاعادة تكوين السلطة واستكمال مندرجات الطائف عبر تأليف الهيئة العليا لالغاء الطائفية السياسية وانشاء مجلس للشيوخ، تتمثل فيه الطوائف واقرار اللامركزية الموسعة”.
وتابع: “أصارحكم بأن كل هذا الجدل الدستوري هو اليوم نوع من الترف في ظل الازمات المعيشية والاقتصادية التي يواجهها اللبنانيون، وفي ظل الانهيارات المتسارعة في مؤسسات الدولة والقطاعات الحيوية التي تحفظ الاستقرار الاجتماعي”.
ورأى أنه “ما أحوج لبنان في هذه الأيام الصعبة الى مدرسة رشيد كرامي للخروج من هذا النفق المظلم، وصدق ميشال ابو جودة حين قال صبيحة اغتيال الرشيد ان رشيد كرامي لم يترك فراغا في الدولة بل ترك فراغا في الوطن. واني في ذكرى الرشيد أقول ان استلهام مدرسة وقيم رشيد كرامي هو المخرج الوحيد من كل هذه الازمات، وان اغتيال الرشيد في يوم أسود لا يلغي هذه القيم وهذه المبادىء التي تعيد للبنان موقعه ودوره وهويته الحقيقية”.
وقال: “إني أجدد العهد بأننا لم نسامح ولن ننسى وأكرر ما قاله عمر كرامي ذات يوم: ما اضعف القاتل وما أقوى القتيل حين يكون القاتل رمز تقسيم لبنان والقتيل رمز وحدة لبنان. إن إخراج قاتل رشيد كرامي من السجن عبر عفو غير قانوني، سيبقى وصمة عار في تاريخ من اصدروا هذا العفو، وهو في كل الاحوال لا يلغي الجريمة ولا يمنح البراءة للقاتل، ونحن مؤمنون كطلاب عدالة لا كطلاب انتقام ان الحق سيهزم الباطل في نهاية المطاف”.
وختم: “أتوجه إليك ايها الرشيد من قلب طرابلس لأبشرك بأن مدينتك الاصيلة الصابرة لم تضع ولن تضيع البوصلة، وكانت أول من تحرك تضامنا مع الانتفاضة الفلسطينية دفاعا عن مقدسات الأمة، وان خياراتك الاستراتيجية تثبت يوما بعد يوم صوابيتها، ولا سيما خيار المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني. وها هي فلسطين الجميلة والحبيبة قد قدمت لنا مشهدا مبهجا من الصمود والوحدة والمقاومة واسقطت كل مشاريع التطبيع والاستسلام، مؤكدة للعالم أجمع ان القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية للأمة. واني ايها الرشيد ماض على النهج وباق على العهد، ولبنانك الذي عشت واستشهدت لأجله أمانة تهون في سبيلها كل المصاعب والتضحيات”.