تترافق الحركة المحلية المستجدة على خط تشكيل الحكومة، والتي انطلقت امس بزخم لافت مع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت، مع مناخات دولية ضاغطة تصرّ على ضرورة التأليف اليوم قبل الغد.
وبحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، فإن العواصم الكبرى في معظمها، دخلت على خط الملف الحكومي اللبناني، في الاسابيع الماضية، مرسلة الى بيروت اشاراتٍ عدة، عبر الـ”صلاة” تارة، و”رسائل تحذير” تارة اخرى، و”مرونة مستحدثة” طورا، بغايةٍ واحدة وحيدة: الدفع نحو إبصار الحكومة النور في اقرب فرصة، لان البلاد المنهارة على الصعد كافة، ما عادت تحتمل اية مماطلة..
فالفاتيكان، وقبل ان يوجّه دعوته الى لقاء حول لبنان سيعقد في الاول من تموز المقبل في الكرسي الرسولي وهدفه الاساس، البحثُ في ما يمكن فعله لانقاذ الصيغة اللبنانية بعد ان بات الوطن ككيان مهددا بالزوال، كان راسل عبر الحبر الاعظم البابا فرنسيس، رئيسَ الجمهورية العماد ميشال عون مؤكدا له “ان الشر والموت لا يمكن ان تكون لهما الكلمة النهائية في مسار الحياة”، ومشددا على “ان الايمان بالقيامة يضع في قلوبنا قوة الارتداد من اجل بناء عالم افضل”. وجدد صلاته لكي “يدعم روح الحكمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعاونيه، ويضيء لهم سبل قيادة لبنان على دروب السلام والحرية والهناء”. واعلن الحبر الأعظم في رسالته تضامنه مع “الوطن الحبيب لبنان، موكلا إياه الى عناية العذراء مريم”، ومغتنما المناسبة لمنح بركته الرسولية الى الشعب اللبناني بأسره.
اما موسكو، التي تستعد لاستقبال رئيس الحزب الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الايام المقبلة، فكانت بدورها استعجلت التشكيل، وحمّلت كلا من مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية للشؤون الروسية أمل أبو زيد والممثل الخاص للرئيس المكلف، جورج شعبان، اللذين زاراها الاسبوع الماضي، تأكيدا على أهمية مواصلة الجهود لتشكيل حكومة لبنانية جديدة من تكنوقراط، برئاسة سعد الحريري قادرة على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الملٌحة والحادة الماثلة امام لبنان بهدف تجاوز الأزمة التي يعيشها في أسرع وقت.
واذ تشير الى ان مصر ليست بعيدة ابدا من هذا التوجّه الدافع الى التشكيل، وهو ما ينقله سفيرها في بيروت ياسر علوي الى المرجعيات اللبنانية التي يلتقي تباعا، تقول المصادر ان الولايات المتحدة كما فرنسا اظهرتا في الايام الماضية ليونة تجاه طبيعة الحكومة العتيدة ودورها وشكلها، اذ اصبحتا لا تمانعان حكومة “بالتي هي احسن”، تكون مهمتها محصورة بوقف الانهيار الاقتصادي والاعداد للانتخابات النيابية، لا اكثر. وفي هذه المرونة مؤشرٌ الى ضرورة الخروج سريعا من المراوحة السياسية السلبية التي يعيشها لبنان والتي باتت تنبئ بانفجار معيشي اجتماعي وشيك.
وفي خانة تأكيد “السلاسة” الاميركية – الفرنسية المستجدة هذه، صبّ كلام وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية سابقاً ديفيد هيل السبت، والذي قال فيه “لبنان في وضع أسوأ مما هو عليه منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990″، معتبرا ان “قادة لبنان فشلوا في وضع مصلحة الشعب في المقام الأول، مشيراً الى أن اللبنانيين خسروا مدخراتهم، وان الخدمات تدهورت والأوضاع ساءت، وهو ما دفع بالولايات المتحدة ودول أخرى مثل فرنسا إلى الطلب الى الزعماء “إظهار مرونة لتشكيل حكومة”، مشدداً على أن “وقت إجراء إصلاحات شاملة قد حان الآن”… اما باريس، فوضعت قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي زارها الاسبوع الماضي، في صورة ما بدا انها موافقة من قِبلها على حكومة انتقالية تكون وظيفتها الاساس إعداد العدّة للاستحقاق النيابي، فقط…
المناخات الدولية تبدو اذا مستعجلة التشكيل ومنبّهة من عدمه. فهل ستفهم المنظومة “النداء – التحذير” هذا، ام ستستمر في مناكفاتها الفئوية الشخصية وفي ربطها ورقة لبنان بمفاوضات فيينا وغيرها، فتترك الشعب اللبناني ذليلا واقفا في طوابير الدواء والمحروقات والمصارف؟