Site icon IMLebanon

هل يجمع الفاتيكان القادة المسيحيين السياسيين؟

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

يزداد منسوب القلق لدى الكرسي الرسولي وقداسة البابا فرنسيس على لبنان ومصيره ووجوده، مع ازدياد مستوى الانهيار في «بلد الرسالة». إنطلاقاً من ذلك، يسعى الفاتيكان الى مساعدته بشتى الطرق ومع مختلف الدول، وذلك حفاظاً على هذا البلد الصغير بمسيحييه ومسلميه وبطوائف الديانتين كافة. يد الفاتيكان مفتوحة وممدودة للبنان دائماً، وكما أسلافه، ينظر البابا الى لبنان بعين المحبة والاهتمام والرعاية، ويؤيّد أي مبادرة أو إجراء أو تدبير، يخلّص «بلد الأرز» من أزماته ويبقيه نموذجاً لـ»العيش معاً»، ويحفظ وجوده وبقاء أبنائه. من هذا المنطلق تأتي دعوته قادة لبنان المسيحيين الروحيين الى «الصلاة معاً». لكن الى الصلاة سيكون هذا اليوم مناسبة لعرض الشأن اللبناني الوطني وللتفكير معاً في سبل إنقاذه. وعلى الرغم من أنّ البابا أعلن هذه الدعوة أمس الاول، إلّا أنّ هذا اللقاء طُرح منذ فترة ويجري الإعداد له منذ أشهر، كذلك إنّ جدول أعماله وتفاصيله اللوجستية لا يزال قيد التحضير.

أعلن البابا فرنسيس، الأحد في 30 أيار 2021، أنّه سيدعو قادة لبنان المسيحيين الى الفاتيكان في الأول من تموز المقبل، لـ»قضاء يوم من التأمل في وضع البلد المقلق والصلاة معاً من أجل هبة السلام والاستقرار».

قادة لبنان المسيحيون المدعوون الى الصلاة والتأمل مع البابا في 1 تموز، هم القادة الروحيون، أي رؤساء الكنائس المسيحية الموجودة في لبنان، من بطاركة ومطارنة، من الطوائف الكاثوليكية والأورثوذكسية كافةً، فالدعوة ليست محصورة بالكنائس الشرقية في لبنان فقط، ذلك لأنّ الوضع اللبناني والخطر المحدق بهذا البلد يُطاول الجميع، مسيحيين وغير مسيحيين، كاثوليك وغير كاثوليك، وجميع القادة الروحيين يتحمّلون مسؤوليات في المضمار الوطني. ولم تشمل الدعوة رجال دين مسلمين، لأنّ هذا اللقاء كنسي وهدفه الصلاة المسيحية، على رغم أنّ الوضع الوطني العام سيكون في صلبه، علماً أنّ انفتاح البابا والكرسي الرسولي تجاه الجميع في لبنان أمر محسوم، وليس جديداً، ويُعتبر الفاتيكان من أكثر المتمسِّكين دولياً بالعيش المشترك المسيحي ـ الإسلامي في لبنان.

وإذ بدأ الإعداد لهذا النهار الطويل مع البابا فرنسيس منذ أشهر بين الدوائر الفاتيكانية وتلك اللبنانية المعنية، لا يزال التحضير للقاء سارياً، خصوصاً لجهة برنامجه. ويأتي هذا اليوم الفاتيكاني في سياق اهتمام قداسة البابا بالوضع في لبنان وأزماته التي لا تنتهي بل تستولد نفسها، وهو مخصّص للبنان، وللتفكير والصلاة من أجل هذا البلد، وستتخلّله كلمات لرؤساء الكنائس الحاضرين، الذين سيحضرون جميعاً أو بمعظمهم الى الفاتيكان للصلاة مع البابا من أجل بلدهم، وفق ما تؤكّد مصادر مطّلعة.

لهذا اللقاء دلالات عدة، فهو يأتي في سياق اهتمام البابا الدائم والمباشر بلبنان، وهو سيكون موجوداً شخصياً الى جانب المرجعيات الروحية اللبنانية. كذلك يُشكّل هذا اليوم تعبيراً عن دعم الفاتيكان لأي مبادرة أو إجراء أو تدبير يساهم في انتشال لبنان من أزماته. فالهمّ الفاتيكاني هو كيف يساعد لبنان، وفي حين أنّه يساعد «الوطن الحبيب» بطرق عدة منذ زمن، يأتي هذا النهار وسيلةً أو طريقةً أخرى لتقديم الدعم ولتوجيه الأنظار العالمية الى الوضع اللبناني، إذ إنّ أي اجتماع يحصل في الفاتيكان في حضور البابا يأخذ بعداً عالمياً. وبالتوازي، إنّ الفاتيكان على تواصل دائم مع مرجعيات الدول الكبرى المعنية بالوضع اللبناني، من فرنسا وغيرها، ويتابع الموضوع اللبناني، ويأتي هذا النهار الى جانب المسعى الفاتيكاني مع الدول المعنية الى دعم لبنان، ولمشاركة جميع المرجعيات الدينية المسيحية الأفكار والطروحات حول لبنان، بانفتاح كبير، وذلك لأنّ الأزمة الحاصلة غير محصورة بالطوائف الكاثوليكية فقط بل تصيب اللبنانيين جميعاً بطوائفهم كلّها.

إلّا أنّ دعوة البابا هذه غير مرتبطة بمسار تأليف الحكومة أو بجدول الأعمال السياسي اليومي في لبنان، على رغم أنّ الفاتيكان يتمنى أن تبصر الحكومة النور وأن توجد الحلول، لكي يتمكّن لبنان من جلب المساعدات الدولية، علماً أنّ موقف الفاتيكان في هذا الشأن شبيه بموقف المجتمع الدولي بكامله، وهو: «قوموا بما عليكم لكي نقف الى جانبكم ونساعدكم».

وتأتي دعوة البابا رؤساء الطوائف المسيحية في لبنان الى هذا اللقاء، أيضاً، انطلاقاً من القلق الكبير لدى الفاتيكان على الوضع اللبناني وعلى المسيحيين وغير المسيحيين، الذي عبّر عنه البابا في مناسبات عدة. وهذا القلق يزيد لأنّ الانهيار في لبنان يزيد، والجميع يرونه ويعيشونه. وبالتالي، يقع هذا اللقاء في إطار الحركة التي يقوم بها الفاتيكان لإنقاذ لبنان، فهو يحمل همّه ويساعده وسيستمرّ في مساعدته بلا مقابل. كما انّ هذا اللقاء سيكون داخلياً مغلقاً، وقد يصدر بيان عنه، لكن لم يتضح حتى الآن برنامجه المفصّل أو إذا سيكون هناك من كلمة معلنة للحبر الأعظم. أمّا ما يُقال عن إمكانية أن يدعو البابا القادة المسيحيين السياسيين في لبنان الى لقاء كهذا في حاضرة الفاتيكان، فهو أمر غير مطروح، بحسب ما تؤكّد مصادر معنية. وإذ تسأل: «هل إذا خُصّص يوم فاتيكاني للقادة السياسيين المسيحيين، «بتظبط القصة» بينهم في لبنان؟»، توضح أنّ الفاتيكان لا يدخل في التفصيل السياسي، لا في لبنان ولا في سائر البلدان، بل يتناول الأوضاع العامة الكبيرة التي تخص البلد وطريقة خروجه من أزماته، ويحاول المساعدة في ذلك بمبادرات يُطلقها، كذلك بالتواصل مع الآخرين أيضاً من الدول المؤثرة المعنية وبدعم مبادرات مساعدة ومنقذة للبنان.