كتب أسامة القادري في “نداء الوطن”:
يقول المثل الياباني “ابتعد عن المُعلم سبعة اقدام حتى لا تدوس على ظله بالخطأ”، هكذا جسدت اليابان عظمتها وتقدمها ورقيها من باب احترام المعلم وجعله من الفئة الأولى على كل وظائف الدولة، ليُسجل فيها الراتب الأعلى للمدرس كتقديرٍ لإنجازاته في تربية الأجيال وصناعة المستقبل.
أما في لبنان فالأمر مختلف كلياً، عندما تتحول وزارة التربية الى دهليز مظلم في نهايته ثقب أسود، كما تضيع فيه حواسيب الطلاب اللبنانيين لجيوب سماسرة، تضيع فيه أموال المعلمين والمعلمات واتعاب تعاقدهم في التعليم الاضافي، هكذا تكون الوزارة تمارس دوراً في ابتزاز المعلم وتحويله الى مستجدٍ في كنف أزمة متورمة، وكأن المعلمين لا يكفيهم أن رواتبهم كما كل اللبنانيين تحوّلت لأن تساوي مئة وخمسين دولاراً، ومدخراته أمست مجرد ارقام على ورق المصارف.
يكشف لـ”نداء الوطن” معلمون متعاقدون مع برنامج وحدة التعليم الشامل للطلاب السوريين في لبنان، الممول من الأمم المتحدة، عن ثغرة تشكل فضيحة “مدوية” وبمثابة إخبار في كيفية سرقة اتعابهم وعرقهم على عين الدولة.
فالمعلمون عندما قبلوا التعاقد مع برنامج وحدة التعليم الشامل، ارادوه ليساعدهم الى جانب وظيفتهم في التدريس الصباحي في تحسين أوضاعهم الاقتصادية، ليتبين من خلال المقاربات أنه كلما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء كلما تضاعفت الدولارات “المسروقة” لتدخل في دهليز الصفقات بملايين الدولارات والتي لم يعرف مصيرها منذ عام 2014، عندما قام آنذاك وزير التربية الياس أبو صعب بتأسيس وحدة التعليم الشامل، وعيّن صونيا خوري مديرة البرنامج، وهي كما قيل عنها محازبة في “التيار الوطني الحر”. قرار أبو صعب بتأسيس الوحدة جاء بعدما أصدر قراراً منع بموجبه تسجيل الطلاب السوريين في المدارس الرسمية سوى بشروط تعجيزية، ما دفع المنظمات الدولية لأن تتعامل مع وزارة التربية عبر وحدة التعليم الشامل، في الدوامين الصباحي والمسائي، وبالتالي ارتبطت علاقة “الوحدة” مع الوزارة في الشكل فقط، حتى أصبحت أشبه بـ”وزارة داخل الوزارة”، هكذا تتكدس تحت شعارات مكافحة ومحاربة الفساد، ارقام طائلة من الاموال التائهة في برنامج وحدة التعليم الشامل منذ 2014 حتى يومنا هذا.
مصدر تربوي أكد لـ”نداء الوطن”، ان وحدة التعليم الشامل تعمل وفق ادارة مستقلة لا تخضع لسلطة وزير التربية، ولا حتى تخضع لديوان المحاسبة والمراقبة في الوزارة ولا في أي وزارة أخرى. وبالتالي جميع الأموال التي تدخل الى برنامج الوحدة هي بـ”الكاش دولار”.
“نداء الوطن” اتصلت بمديرة برنامج التعليم الشامل صونيا خوري، والتي اعربت انها لا تستطيع الحديث من دون اذن مسبق من المدير العام للوزارة فادي يرق، والذي ايضاً تعذر تواصل “نداء الوطن” معه بعد اتصالات عديدة، كما تعذر التواصل مع الوزير طارق المجذوب.
المدرس خليل متعاقد التعليم المسائي في إحدى مدارس البقاع الأوسط، حيث التجمع الاكبر للنازحين السوريين، يقول إن المعلمين راجعوا مديرة البرنامج صونيا خوري، معترضين على ابقاء تسعيرة الساعة بـ20 الف ليرة، لانها لم تعد تكفي انتقالهم اضافة الى ارتفاع الاسعار والغلاء، ولكنها لم تستجب لمطالبهم، مضيفاً أنها حسمت الموضوع بزيادة 5 آلاف ليرة للمدير و”تخيير” المعلمين بين التوقيع على تعهد بعدم الاعتراض على تسعيرة الساعة التي يحددها برنامج التعليم الشامل في وزارة التربية او فض العقد معه لابرام عقد مع مدرسين ينتظرون.
وفي هذا السياق أكد خليل أنه وباقي المعلمين وأعضاء لجنة المتابعة تفاجأوا بما سمعوه من الوزير طارق المجذوب عندما راجعوه، “قال لنا لا سلطة لوزارة التعليم على برنامج الوحدة بخصوص رواتبكم، انما لن اسمح بأن يفصل اي مدرّس، واي تعهد يوقع من قبلكم غير معترف فيه”، بهذه الكلمات اكتفى الوزير بيع المعلمين من “كيسهم”، من دون ان يتجرأ لأن يتخذ قراراً اجرائياً يلغي توقيع تعهدات مخالفة قانونياً لأصول ابرام العقود مع الموظفين والعمال حسب قانون العمل. ومن دون ان يفتح باب التحقيق والسؤال عن مصير اموال هذه الوحدة”.
لا يختلف إثنان في وزارة التربية أنه فعلياً لا توجد أرقام نهائية فيها بخصوص عدد الطلاب السوريين المسجلين انما هناك رقم تقريبي، 158 ألف طالب، 20 بالمئة لدوام صباحي، 80 بالمئة لدوام مسائي، وبالتالي تتلقى وزارة التربية اللبنانية من المنظمات الدولية المانحة عبر الأمم المتحدة 363 دولاراً في العام عن كل طالب في الدوام الصباحي، و 600 دولار عن كل تلميذ لفترة بعد الظهر. يتوزعون على 259 مدرسة تطبق نظام الدوام المزدوج. ويعمل في هذا البرنامج ما لا يزيد عن 7 آلاف مدرس ومدير وناظر واداريين وعمال تعاقدوا مع البرنامج في وحدة التعليم الشامل. يتقاضى المدرس عن كل ساعة تعليمية منذ قبل الازمة الاقتصادية 20 ألف ليرة عن كل ساعة، 18 ألفاً لكل مدير و 15 ألفاً لكل ناظر باحتساب 5 ساعات يومية لكل منهما.
وفي هذا الإطار يحاذر مندوبو مفوضية الامم المتحدة و”اليونيسف” الحديث عن مصير الأموال التي تدفع لتعليم اللاجئين، ولا يمكن تعقبها بإعتبار أنها لا تخضع للرقابة والتفتيش من جهات مستقلة. كما يؤكدون أن الإشكالية في لبنان تكمن في تغليب العنصرية في التعامل مع الطالب السوري من قبل برنامج التعليم الشامل، خاصة في موضوع ربط اعطاء الشهادات الرسمية للطلاب السوريين بتسوية أوضاعهم كأحد الشروط التعجيزية المخالفة لشروط دعم التعليم، بهدف إبقائها كإحدى أدوات الابتزاز لابقاء هذا البرنامج، باعتبار أنه يؤمن التمويل لتعليم النازحين السوريين، كما يؤمن دعماً للصيانة وتأهيل المدارس التي تعتمد الدوامين الصباحي والمسائي، وكذلك لأن اليونيسف تموّل رسوم تسجيل كافة التلاميذ، لبنانيين وسوريين، والقرطاسية وكافة الادوات التدريسية في التعليم الأساسي للمدارس الرسمية بدءاً من (الروضة حتى الصف التاسع) في الفترتين الصباحية والمسائية، وتقوم بتوفير الإمدادات اللازمة بالإضافة الى دعم تكاليف النقل والوقود”، وبخصوص انتشار فيروس كورونا تقدم المنظمة اليوم كمّامات لجميع التلاميذ والعاملين في المدارس الرسمية ومؤسّسات التعليم والتدريب التقني والمهني الرسمية، بالإضافة إلى موازين الحرارة ومواد النظافة والتعقيم. كما ساهمت اليونيسف، بالتعاون مع هيئاتٍ ووكالاتٍ أخرى، في تطوير وطباعة البروتوكول الصحي لوزارة التربية.
هذه تعد خلاصة واضحة أن الـ600 دولار التي يتقاضاها برنامج وحدة التعليم الشامل عن كل طالب سوري هي أجور لمعلمي الدوام المسائي.
وهذا ما فندته بالأرقام المدرّسة (صونيا) في إحدى مدارس البقاع الغربي، لتستهل حديثها لـ”نداء الوطن” بأنه لا يعقل أن تصبح احدى ازماتنا اننا غير قادرين على الحضور الى المدرسة لعدم قدرتنا على تأمين مادة البنزين لسياراتنا، ولا امكانية لدينا لدفع اجرة التاكسي ذهاباً واياباً في هذه الظروف الرديئة، فيما هناك من يأكل تعبنا بحجة فرق العملة”. لتردف أن “معدل ساعات التدريس لكل استاذ كحد وسطي يحتسب 3 ساعات في اليوم على مدار عام دراسي 130 يوماً، اي بمعدل 390 ساعة بحدها الاقصى، والذي يفترض أن يتقاضى ما مجموعه حسب تسعيرة البرنامج القديمة 13 دولاراً على سعر صرف 1515 ليرة للدولار الواحد ما يعادل 20 ألف ليرة عن كل ساعة تدريس، والتي لم يطرأ أي تغيير عليها رغم تردي الوضع المعيشي، ورغم ان البرنامج ما زال يتلقى الدعم عبر “الكاش دولار”، وبالتالي يكون الفارق بين ما يجب ان يتقاضاه المدرس وبين الذي يجب أن يقبضه حسب سعر المنصة المعتمد للنازحين السوريين في تقاضي مساعداتهم المالية 6200 ليرة، اي بفارق 60 ألف ليرة عن كل ساعة.
وبالتالي اذا كان عدد المدرسين والموظفين والعمال في هذا البرنامج التعاقدي لا يتجاوز الـ7 آلاف مدرس. واذا احتسب للمدرس 390 ساعة في السنة، اي نحو 8 ملايين ليرة، ما معدله 1258 دولاراً بحساب سعر منصة النازحين. وبمجموع عدد المدرسين 7 آلاف مدّرس يصبح الرقم الاجمالي المدفوع ما لا يزيد عن 9 ملايين دولار من أصل 72 مليون دولار. في حال احتسبنا عدد الطلاب المسجلين في الدوام المسائي 80%، من الرقم الاجمالي 158 ألف طالب، 600 دولار عن كل طالب. هكذا تكون الفضيحة بفارق 63 مليون دولار، عدا عن الفارق نفسه عن السنة الماضية، مجهولة المصير. فيما المعلم ينتظر على قارعة الأمل بوزارة تنصفه.
ما يطرح سؤالاً برسم وزارة التربية، أين هي هذه المليارات ولماذا لا تدخل في ديوان المحاسبة طالما لا تدفع للمدرس كحق مكتسب له؟