كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
يبدو البلد، أقله في الظاهر، معلقاً على مصير وزيرين مفقودين في «الصحراء السياسية» الممتدة بين القصر الجمهوري وبيت الوسط. فما هي قصتهما؟ وأين يقعان في الحسابات المتعلقة بالحكومة الحريرية؟
الازمات الاجتماعية والاقتصادية، مخاطر الانهيار، تحديات النهوض، الإصلاحات المنتظرة وملفات أخرى. كلها باتت تتوقف على السؤال الآتي: اي مرجعية ستختار هذين الوزيرين المسيحيين «الحياديين» و«المستقلين»؟
صحيح انّ دراسة البنك الدولي الصادمة نَبّهت الى ان المرجّح ان تصنف الازمة الاقتصادية والمالية الحالية في لبنان ضمن أشد 10 أزمات، وربما إحدى أشد 3 أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، لكن الصحيح أيضاً ان الوزيرين الضائعين هما في الحسابات اللبنانية اهم من كل ارقام البنك الدولي ودراساته.
مبدئياً، وعلى ذمة العارفين، تحلحلت «براغي» العقد الاخرى. وبالتالي، يُفترض انه لم تعد هناك مشكلة حول تشكيل حكومة من 24 وزيراً غير حزبيين ولا ثلث معطلاً فيها لأحد. بقيت العقدة التي تختصر كل أزمة النظام وعلّاته: من يسمي الوزيرين المسيحيين اللذين لا يندرجان ضمن حصة رئيس الجمهورية والاحزاب؟
الرئيس ميشال عون يعتبر انّ ضرورات التوازن والمناصفة تمنحه الحق الشرعي في التسمية، والرئيس سعد الحريري يرى ان صلاحياته الدستورية تعطيه الحق الحصري في اختيار هذين الوزيرين حتى لو كانا مسيحيين، «وإلّا ماذا يبقى من دوري كرئيس مكلف بتشكيل الحكومة؟»
بين فكّي الصلاحيات والحقوق، تترنّح الفرصة الأخيرة للحل من دون أن تسقط، وترفّ عين التينة ولا تغمض، ويلوّح الحريري بورقة الاعتذار من غير أن يستعملها بعد، ويهدّد التيار الوطني الحر بالاستقالة من مجلس النواب مع وقف التنفيذ.
صار واضحاً انّ كلاً من الأطراف بات يملك في جعبته «الخطة ب» للتعامل مع احتمال إخفاق آخر محاولات المعالجة وتعذّر التفاهم على حكومة، الا انّ الجميع يتهيّبون في الوقت نفسه التدحرج نحو بدائل غير مضمونة او آمنة، ولا يمكن لأحد أن يتحكّم بمجرياتها.
ولا يزال القصر الجمهوري ينتظر نتائج مسعى بري لدى الحريري لتحديد آلية اختيار الوزيرين المسيحيين المعلقين والعالقين في عنق الزجاجة، علماً انّ المطّلعين يلفتون الى انّ عون أبدى تساهلاً في موقفه عبر استعداده للقبول بأن لا يسمّي هو الوزيرين، وإنما على اساس ان لا يعني ذلك في المقابل ان يسميهما الحريري. وهنا، قد يكون لبري والبطريرك الماروني بشارة الراعي دور في إيجاد مساحة مشتركة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف من خلال السعي الى طرح آلية مقبولة لانتقاء أسماء توافقية تحظى برضى الجانبين.
ويسود بعبدا اقتناع بأنّ المشكلة ليست مشكلة وزيرين اثنين في حد ذاتهما بل هي بالدرجة الأولى قضية مقاربة وتوازنات، تتجاوز العدد الى النهج.
وتستشعر شخصية داعمة لخيارات عون بأنّ هناك محاولة لإمساكه من اليد التي توجعه، تحت شعار انه لا يجوز تعطيل البلد والحكومة وسط هذه الظروف القاسية من أجل وزيرين، «وصولاً الى الطلب من المسيحيين ان يتنازلوا مجدداً و«ياكلوا الضرب» مرة أخرى، بحجة ضرورة منع الانهيار الشامل، وكأنّ الإنقاذ لا يمكن أن يتم الّا على حسابهم وليس بالتعاون معهم».
امّا اعتراض عون على تولّي الحريري اختيار الاسمين المسيحيين، فيعود، وفق تلك الشخصية، الى تمسّكه بالمناصفة الحقيقية لا الشكلية، مشددة على انه ما دام النظام طائفياً وتكوين السلطة يستند الى قاعدة الشراكة بين المكونات اللبنانية، فإنّ عون يرفض ان يتهاون في تطبيق هذه المعادلة الميثاقية، «إذ إمّا ان تطبّق قواعد النظام المعتمد بحذافيرها وإمّا أن يذهبوا في اتجاه تعديله».
وتلفت الشخصية إيّاها الى انّ المناصفة في مجلس الوزراء لا تكون فقط عددية وإنما سياسية ايضاً، اي انها لا تتحقق بمفهومها الشامل عبر الاكتفاء بوجود 12 وزيراً مسيحياً من أصل 24 مقترحين للحكومة المقبلة، وإنما يتوقف اكتمال جوهرها على طريقة تسمية هؤلاء الوزراء وهوية المرجعية التي تتولى ذلك، منبّهة الى انه ليس مسموحاً ان يتكرر في الحكومة ما كان يحصل في انتخابات مجلس النواب سابقاً من مصادرة لمقاعد مسيحية باسم الوحدة الوطنية، ومعادلة «ما لي لي وما لك لي ولك» لم تعد سارية المفعول ولا مكان لها في الحكومة الجديدة».
وتتساءل الشخصية المؤيدة لعون عما اذا كان الحريري يستطيع تحديد أسماء الوزراء الشيعة من دون أن تكون موضع تفاهم مع حركة امل و«حزب الله»؟ مضيفة: بالتأكيد هذا أمر غير وارد، وبالتالي فإنّ المطلوب بكل بساطة من الرئيس المكلف ان يتوافق، هو ورئيس الجمهورية، على جميع أعضاء التشكيلة الوزارية، وهكذا يكون قد احترم صلاحياته والدستور.