كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تدخل البلاد في المجهول كلما تأخّرت الحلول، إذ إن الإتصالات في الساعات الماضية لم توصل إلى أي نتيجة تجعل الولادة الحكومية قريبة.
يبدو الرئيس المكلّف سعد الحريري متمسّكاً بالتكليف ولا يريد الإستغناء عنه، فمعركة “تكسير الرؤوس” بينه وبين رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل بدعم من الرئيس ميشال عون تبلغ ذروتها، وبالتالي فإن انسحاب الحريري من الساحة الحكومية يعني تحقيق باسيل فوزاً واضحاً عليه.
لم يسمع الحريري كل النصائح التي دعته إلى عدم المغامرة والدخول في شراكة غير متوازنة مع العهد خصوصاً أن باسيل ينتظره “على الكوع”، ولم يرَ الحريري نفسه إلا عالقاً في شباك العهد ولا من يمدّ له يد العون لمقارعة عون وباسيل.
وفي السياق، تُطرح أفكار كثيرة للخروج من المأزق، وأبرزها تأليف حكومة مهمة هدفها الأول التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة في أيار 2022، وتهدئة الوضع ومنع الإنهيار.
وبرز في الساعات الأخيرة معطى جديد في هذا الشأن، خصوصاً وأن المجتمع الدولي يضغط باتجاه إجراء الإنتخابات النيابية وعدم التمديد لمجلس النواب، وقد عاد إسم الرئيس تمام سلام للتداول ليرأس مثل هكذا حكومة بدلاً من الحريري.
وتُعتبر تسمية سلام حلاً موقتاً لأزمة قد تطول وتطول، فالرجل إبن بيت سياسي بيروتي عريق ونجل الرئيس الراحل صائب سلام، ولا يستطيع أحد تعييره بأنه لا يُمثّل السنّة، فهو عضو أساسي في نادي رؤساء الحكومات السابقين وانتُخب نائباً عن بيروت دورات عدّة، على رغم أن تسونامي الرئيس رفيق الحريري أسقطه في انتخابات 2000.
لكن ما يدعو إلى القلق أكثر هو التوقيت الذي يُطرح فيه إسم سلام، فالرجل شكّل حكومته في شباط 2014 واستمرّ طوال فترة الفراغ الرئاسي، الذي امتد حتى 31 تشرين الأول 2016. وبالتالي فإنه صاحب تجربة في إدارة شؤون البلاد وسط الفراغات الكبرى. من هنا، قد يكون طرْح اسمه مؤشّراً لتحمّله مسؤولية ما إذا وقع فراغ في سدّة الرئاسة الأولى بعد إنتهاء عهد عون.
لا يُشكّل إسم سلام إستفزازاً لأحد بل هو الأكثر وسطية في نادي رؤساء الحكومات السابقين، لكنه في الوقت نفسه أكثر حزماً، وقد برز ذلك من خلال تصدّيه مرات عدّة للوزير باسيل في جلسات مجلس الوزراء خصوصاً عندما كان يُطرح التمديد لقائد الجيش آنذاك العماد جان قهوجي.
وتؤكّد مصادر مواكبة أن تسمية سلام تأتي ضمن تسوية أكبر، فالرئيس الحريري كان أول من طرح اسمه خلال لقائه الخليلين بعد استقالته عقب تظاهرات 17 تشرين، فكان جواب سلام “لم أتحمّل باسيل عندما كان عمّه رئيساً لتكتل نيابي فكيف بإمكاني تحمّله وعمّه رئيس للجمهورية”.
وحتى الساعة، تؤكّد المعلومات تمسّك نادي رؤساء الحكومات السابقين وعلى رأسهم سلام بالحريري لتأليف الحكومة، ولا يوجد أي حديث جدّي عن تغيير في هذا المعطى، وبالتالي فإن كل طرح للأسماء يأتي في سياق الحرق.
بعد التفجيرات المتنقلة التي حصلت في الضاحية الجنوبية وبيروت والبقاع عام 2013 ربطاً بالحرب التي كانت تدور في سوريا وخصوصاً في القلمون وعلى الحدود مع لبنان، وبعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي مع حكومته، حملت تسوية سعودية – إيرانية – أميركية إسم تمام سلام ونصّبته رئيساً للحكومة، خصوصاً أن ترشيحه أتى بعد زيارة قام بها إلى الرياض والتقى في خلالها الرئيس سعد الحريري الذي كان غادر لبنان بعد استقالة حكومته في كانون الأول 2011 بفعل استقالة 11 وزيراً من تحالف “حزب الله” والتيار الوطني الحر وحركة أمل، وقد سمي لهذه المهمة من بيت الوسط، وعلى رغم أنه قضى نحو 11 شهراً ولم يستطع التأليف، إلا أنّ عمر حكومته إستمر بعد الفراغ الرئاسي وعوّض الفرق. ذلك أن تشكيل حكومته تلك كان مرتبطاً في الأساس بالقدرة على إدارة الفراغ في ظل توقعات بتعذر انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وهذا ما حصل بالفعل. واليوم في زمن الفوضى يتمّ طرح إسم سلام مجدداً لتلقّف كرة النار، فهل يأخذها على عاتقه ويتنحّى الحريري، وهل ستحمل التسويات الإقليمية والدولية تلك الكرة وتضعها في حضن سلام مجدداً؟ وهل تكون حكومة كهذه لإدارة عملية الإنتخابات أم لإدارة الفراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون؟