مع تفشي ظاهرة الفساد والرشوة في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، سأل ونستون تشرشل أحد المستشارين: “هل وصلت الرشوة إلى القضاء؟”، فرد عليه “لا”. فقال تشرشل: “إذا بريطانيا بألف خير”. وعقب تحرير فرنسا من الغزو النازي سأل ديغول صديقه أندريه مارلو: كيف حال القضاء؟ فأجابه: بخير إلى حدٍ ما”. فكان رد ديغول:”إذا نستطيع أن نبني فرنسا من جديد”. في لبنان لا جدوى اليوم من السؤال عن حال القضاء، فالجواب واحد: القضاء ليس بخير”. التشكيلات القضائية مجمدة وقد دخلت زواريب السياسة، المجلس الدستوري معطل، مجلس القضاء الأعلى دخل دوامة الفراغ… وإذا كان ثمة شاهد على انهيار السلطة القضائية فلسان حاله “خرج القضاء من قوس العدالة”.
مما لا شك فيه أن الواقع الذي وصل إليه القضاء اليوم أسقط كل منظومة العدل وهذا ما لم يشهد عليه القضاء في تاريخ لبنان. النائب والوزير السابق بطرس حرب يقرأ واقع القضاء اليوم على قوس العدالة من زاوية مشهدية الفراغ الحاصل في مجلس القضاء الأعلى ويقول عبر “المركزية” معلوم أن مجلس القضاء الأعلى مؤلف من عشرة أعضاء، 3 منهم حكميون أما القضاة السبعة الأخرون فيفترض أن يُنتخب إثنان منهم من قبل قضاة محكمة التمييز ويتوزع الخمسة الباقون بحسب درجاتهم في المحاكم ويتم تعيينهم من قبل الحكومة. وحتى اللحظة لم يتم تعيين بدلاء”. هل القصة هي مسألة تفسير “الضروري” في حكومة تصريف الأعمال أم قلوب سياسية مليانة؟
“واضح أن العلة تكمن في مكان آخر. هناك ضغوط سياسية على السياسيين وعلى التفتيش القضائي وهذا غير مقبول. نحن نتكلم بالممارسات وليس بالنوايا وهناك جريمة ترتكب في حق القضاء والكل معني بها. أضاف حرب: “جرت العادة في حال تحضير ملف أن يتشاور وزير العدل مع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة لكن بعض الأسماء التي طرحتها وزيرة العدل ماري كلود نجم محسوبة على فئة معينة مما كان سيحول مجلس القضاء الأعلى إلى مكتب سياسي للتيار، ورفض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب التوقيع على المرسوم. قد تكون الوزيرة نجم تشاورت مع عون ودياب وقد لا تكون. وفي الحالين الضحية واحدة : صورة القضاء والثقة بهذه السلطة التي اهتزت علما أن هناك قضاة يشهد لنزاهتهم إلا أنهم ضحايا هذه التجاذبات السياسية”.
مشهد اقتحام القاضية غادة عون شركة مكتف للصيرفة ونقل الأموال أسقط كل اعتبارات الهيبة. بالتوازي انتظر اللبنانيون نتائج “عملية الإقتحام” التي شنتها عون بإسم مكافحة الفساد على شركة مكتف وشركتين أخريين، وكان متوقعا إما أن يصدر الحكم بالفاسد أو ببراءته. لكن حتى اللحظة لم يصدر شيء لا في مضمون الملفات التي قيل إنه تمت مصادرتها من الشركات، ولا حتى بالنسبة إلى ملف القاضية عون الذي أحيل إلى التفتيش المركزي. في هذا السياق يقول حرب: “ما قامت به القاضية عون مخالف للأصول القضائية ولا يمكن بالتالي اصدار احكام وتشويه سمعة أشخاص قبل التأكد من الوقائع وصدور الأحكام. أما وقد تم وضع اليد على ملفات، فهذا يعني أن ثمة وقائع ويفترض إطلاع الرأي العام عليها، فإذا صح وجود مخالفات وجرائم جزائية يجب الإدعاء على الأشخاص المعنيين وإذا انتفت يجب أيضا الإعلان.
وسأل حرب:” أين أصبح شعار مكافحة الفساد الذي استوجب الإسراع والتسرّع في عملية اقتحام مكاتب الشركات بغض النظرعن الآلية القانونية والمخالفة للأصول القضائية التي شوهت سمعة القضاء؟.. مؤسف ومستغرب ما حصل”.
ماذا عن التشكيلات القضائية؟ “العوض بالسلامة. في ظل هذه الأكثرية الموصوفة طار المرسوم وتعطلت السلطة الدستورية في البلد”. ويختم حرب، “كنا ننتظر أن يصار إلى تصحيح مسار العدل وتعزيز السلطة القضائية، لكن النتيجة كانت بسقوط القضاء في غياهب المجهول. وعندما يغيب القضاء تنهار الدولة “.