IMLebanon

حكومة “اللاحكومة”… “حوار طرشان”!

كتب درويش عمار في “اللواء”: 

على قاعدة اسمع تفرح جرّب تحزن، لا بد من التمعن بكل ما يجري من حولنا من احداث وتطورات متسارعة كما لا بد ايضاً من التمهل لدى مواكبتنا او سماعنا موجزات ونشرات الأخبار عبر وسائل الاعلام المتعددة، كما عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما في ما يتعلق بالجدل القائم حالياً والتكهنات لا بل بالرهان على عودة الرئيس سعد الحريري مؤخراً الى بيروت بعد طول غياب، لمواكبة المبادرات المطروحة من هنا وهناك لحلحلة وازالة العقد والصعوبات التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة حتى الآن انطلاقاً من مبادرة الرئيس نبيه بري كما بكركي ايضاً، امتداداً الى المبادرة الفرنسية التي وان ترنحت في الآونة الأخيرة حتى وصلت الى حد السقوط الا انه من المستغرب، بالرغم من كل ما حصل ويحصل،ان عدداً كبيراً من اللبنانيين ما زالوا يعلقون الآمال ويصدقون ما يشاع وما يكتب وما يذاع بشأن امكانية التوصل الى حلول تشفي غليلهم لإعلان مراسيم التشكيلة الوزارية العتيدة، وقد جزم البعض منهم انها «اصبحت على باب قوسين او ادنى» من اعلانها على الملأ، محددين عدد اعضائها بأربع وعشرين وزيراً من الأخصائيين على اساس ٨، ٨، ٨ ومن دون ثلث ضامن او معطل لأي طرف من الأطراف السياسيين او الحزبيين وحتى من المحسوبين او المقربين من الأحزاب اياً تكن، قبل سقوط لبنان في المحظور واعلانه كدولة فاشلة من قبل الدول والأمم وعندها لن يتمكن احد ان يتكهن بما ستؤول اليه الأوضاع السياسية والإقتصادية والمالية والمعيشية والأمنية في لبنان، وسيتأكد عندها كل اللبنانيين من مدى حجم الكارثة والمأساة التي سيعانون منها طويلاً على مختلف الصعد وفي شتى الميادين.

انها لعبة الكبار، المتسلطين على شؤون البلاد والعباد في وطن اسمه لبنان، وان الاعيبهم الجهنمية تلك اذا ما اصروا عليها ستودي بالبلد الى الجحيم. حتى يكاد كل لبناني يقول في قرارة نفسه «الله ينجينا من الأعظم»!.

من المضحك المبكي ان تعود بنا الذاكرة الى ملاعب طفولتنا، حين كنا نلجأ ببراءة الأطفال الى لعبة غريبة عجيبة للتماشي مع ما يراود مخيلتنا كأطفال حين كنا نقطف وردة ونبدأ بنزع وريقاتها الواحدة تلو الأخرى مرددين على سبيل المثال لا الحصر «ننجح او لا ننجح»، «بتحبني او ما بتحبني» الى ما هنالك.. حتى اذا ما وصلنا الى الورقة الأخيرة من تلك الوردة واتى الجواب ايجابياً مع ما نعتقد، فرحنا وتفاءلنا بالخير، اما اذا اتت النتيجة عكس ذلك شعرنا بالحزن والتشاؤم بما نصبو اليه.

ربما بات اللبنانيون اليوم بحاجة الى اعتماد مثل هذا النمط غير الموضوعي وغير المنطقي لإكتشاف ما اذا كان الرئيس المكلف الشيخ سعد سيؤلف حكومته بالتفاهم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تمهيداً لتصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا لزف البشرى الى اللبنانيين التي طال انتظارها على قاعدة عفا الله عما مضى وتم غسل القلوب بين الرجلين للإنطلاق بمسيرة جديدة تبدأ بمكافحة الفساد في البلد والقضاء على الفاسدين في بلد نخرته سوسة الفساد حتى العظم «ومن اعلى الهرم حتى اخمص القدمين».

انطلاقاً من مقولة «تفاءلوا بالخير تجدوه» لا بد من الحذر بأن الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل قد تنطلق في هذا السياق بالتزامن مع نجاح مساعي كل من الرئيس بري وسيد بكركي وسائر المبادرات الإقليمية والدولية لإطلاق صفارة انطلاق الحل في بلد الأرز لبنان مع الأخذ بعين الإعتبار بروز مطبات سياسية واقتصادية قد تؤثر مراراً وتكراراً على هذه المسيرة في حال ساءت النوايا وبقيت الأمور على ما هي عليه من تشنجات ومهاترات وبيانات وتغريدات واتهامات وردود فعل متبادلة بين هذا الطرف او ذاك على الصغيرة والكبيرة وكأني بالجميع يطبق القول المأثور «انا الغريق فما خوفي من البلل».

كل ذلك يدفعنا للإفتراض وفي اسوأ الحالات الى تشكيل حكومة طال انتظارها لأكثر من سبعة اشهر حتى الأن فما هي الضمانة التي تؤكد بأن المسؤولين والسياسيين «العباقرة» لن يختلفوا في ما بينهم عند اول مفترق طريق وعلى طاولة مجلس الوزراء من خلال الاستمرار باقتسام الحصص والنفوذ والمكاسب والمغانم بدءاً من الجلسة الأولى لمناقشة الأوضاع المتردية في لبنان كما على الخطوط العريضة لصياغة البيان الوزاري قبل التوجه الى المجلس النيابي للحصول على الثقة «من ممثلي الشعب» والقول للحكومة بعد ذلك «سيري فعين الله ترعاكِ».

وماذا بعد.. في حال تشكيل مثل تلك الحكومة المعجزة، والأمل ضعيف جداً بذلك، هذا اذا ما احسنا النوايا، لكن بالله عليكم، كيف ستتم معالجة كل المواضيع الشائكة والمتراكمة التي تنتظر حكومة «انقاذ» بدءاً من حديث الساعة برفع الدعم عن المواد الأساسية من محروقات وغذاء ودواء وغيرها، وايضاً كيف ستتم معالجة الخلافات القائمة في السلك القضائي وما هو مصير التشكيلات القضائية التي لا تزال تنام حتى الآن في ادراج قصر بعبدا دون معرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك، وماذا عن التفاهم على سياسة لبنان الخارجية في ضوء الخلافات المستحكمة اقليميا ودولياً في المنطقة، وماذا وماذا بشأن التعامل مع التدقيق الجنائي الذي لا يزال ينتظر ويبحث في الخفايا والخبايا عن ملفات ومستندات ووثائق هو بأمس الحاجة اليها لكشف المستور ومن هرب الأموال الطائلة الى الخارج وافلس البلد. وايضاً ماذا يمكن القول عن اموال المودعين في المصارف التي تم الإستيلاء عليها من دون مسوغ قانوني او اخلاقي وما قرار مجلس شورى الدولة الأخير الا دليل على هذا الأمر. وايضاً ماذا سيكون الوضع عليه لدى دراسة وضع قانون انتخابي جديد على اسس عصرية تعيد بناء الدولة والمؤسسات وفق طموحات اللبنانيين والأسرة الدولية وايضاً وايضاً كيف سيتم التفاهم على ملء الشواغر في مؤسسات الدولة دون اي محاصصة والتي باتت في معظمها تحتاج الى كوادر بشرية ودم جديد، وبالتالي هل يمكن التوافق على اجراء انتخابات فرعية شغرت بوفاة واستقالة عشرة من اعضاء المجلس الحالي مع العلم ان المستقيلين منهم لا يزالون يتقاضون رواتبهم كاملة «حتى القرش الأخير» في حين ان معظمهم يدير اعمالاً خاصة له خارج وداخل لبنان!.

اخيراً وليس اخراً من سيحاكم من في ما يتعلق بموضوع الفساد والسرقات والصفقات والسمسرات التي باتت على كل شفة ولسان من الكبير الى الصغير، كما من سيعيد الأموال المنهوبة والمهربة الى الخارج والمقدرة بمليارات الدولارات الى الخزينة اللبنانية وبأي وسيلة سيتم ذلك للمساهمة في سد رمق اللبنانيين الذين باتوا على حافة الفقر والعوز والمرض دون شفقة او رحمة كما ما هي آلية العمل لتشجيع السياح والمغتربين للمجيء الى لبنان خلال هذا الصيف وكيف يمكن اعطاءهم جرعة من الأمل والضمانات في ضوء الغلاء الفاحش وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان حالياً وعلى الأقل للإستفادة من الـfresh money لإنقاذ ما يمكن انقاذه ولو بالشيء اليسير حياتياً ومعيشياً، مع الأخذ بعين الإعتبار ان خطر وباء كورونا لا يزال يتحكم بالواقع اللبناني وباللبنانيين حتى ولو تدنت نسبة الخطورة من هذه الجائحة في هذا البلد. ومن ثم كيف يمكن للمنصة الرسمية التي اطلقها مصرف لبنان على اساس ١٢ ألف ليرة للدولار الواحد ان تفعل فعلها وان لا تنعكس سلباً على الأمور الحياتية والإجتماعية والإقتصادية والخدماتية للبنانيين جميعاً بدءاً من دفع فواتير الكهرباء والمياه والهاتف الخليوي والثابت والمولدات الكهربائية ناهيك بأسعار المواد الغذائية والدواء والمحروقات المفقودة من الأسواق حالياً.

لا يبدو في الأفق حل قريب في هذا البلد الا من خلال تشكيل حكومة جديدة برئاسة الحريري او غيره «لا هم»، الا ان الأصعب من كل ذلك هو سوء التقدير واعتماد الحسابات السياسية الخاطئة بمعنى ان هذا البلد بات يحتاج الى معجزة الهية او الى اتفاق اقليمي ودولي يرسم له خريطة طريق ويصحح المسار فيه على كل الصعد تبدأ من الصفر ولا تكاد تنتهي الا في حالة واحدة هي التخلص من كل هذه المنظومة السياسية الفاسدة ومن المصرفيين والمحتكرين والتجار الذين اوصلوا البلد الى هذا الدرك الخطير وبات الضمير لديهم مستتراً وفي خبر كان، ويا ليت كل الأطراف تطبق بما تهدد به من تقديم استقالاتها من المجلس النيابي ربما «يروحوا ويريحوا».

في نهاية المطاف، لا بد من التأكيد ان الحقيقة المرة والجارحة تحتم علينا جميعاً كلبنانيين ان ننتظر اياماً واسابيع واشهرا صعبة جداً اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً، اما سياسياً فلن نقول الا ان الحوار الجاري حالياً هو «حوار طرشان» بهدف تشكيل حكومة «اللاحكومة» والله يستر..!