كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يتنقّل الملف اللبناني بين عواصم القرار حيث باتت تتقاذفه الرياح الإقليمية والدولية بعدما رهن المسؤولون مصير البلد للأهواء الخارجية.
تبقى موسكو أكثر عاصمة عالمية استقطاباً للمسؤولين اللبنانيين، وتحاول لعب دور توفيقي بين الأطراف المتنازعة، بغية الوصول إلى حلول مقبولة، لكنّ الأجواء الروسية توحي بأنّ الحلّ لا يزال بعيد المنال، فالداخل لا يُساعد والخارج مشغول بالملفات الكبرى.
وتؤكّد المعلومات أن زيارة رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط ستحصل منتصف الأسبوع المقبل، وسيلتقي كلاً من نائب وزير الخارجية الروسية وموفد الرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وسيتطرّق الحديث بشكل أساسي إلى الأزمة الحكومية اللبنانية ومحاولة الخروج منها وتقديم التسهيلات الضرورية، إضافةً إلى الوضع السوري وأوضاع المنطقة، خصوصاً وأن جنبلاط يقرأ ما يحصل لبنانياً إنطلاقاً من تطورات الإقليم، ويهدف إلى حماية الموحّدين الدروز، ليس فقط في لبنان بل في سوريا أيضاً.
أما الحدث اللبناني الثاني في روسيا فيتمثّل بزيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى موسكو ولقائه كبار المسؤولين هناك منتصف هذا الشهر، وفي معلومات “نداء الوطن” أن زيارة ابراهيم تنقسم إلى شقّ سياسي وآخر أمني.
وبالنسبة إلى الشقّ السياسي، فإن ابراهيم يُعتبر الوسيط الدائم في الملف الحكومي وكان يُنسّق خطواته مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ويحاول تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل من جهة، والرئيس المكلّف سعد الحريري من جهة أخرى، إضافةً إلى مروحة إتصالات واسعة مع بقية القوى السياسية.
وتأتي أهمية زيارة ابراهيم إلى موسكو أيضاً لأنه عمل على ملف تأليف الحكومة مع الطرف الفرنسي، وحاول تذليل بعض العقبات التي تعوق المبادرة الفرنسية من دون أن يُوفّق، كذلك فإنه يُجري اتّصالات مع عواصم عدّة على صلة بالملف اللبناني.
وإذا كان ابراهيم لم يعلن عن أي مبادرة جديدة حتى هذه الساعة، فإن المسؤولين الروس ليس في جعبتهم أيضاً أي مبادرة، لكن الأكيد أن اجتماع اللواء مع الروس سيولّد أفكاراً جديدة للدفع بملف التأليف، من دون أن تكون هناك بوادر حلحلة أو مبادرة روسية كاملة متكاملة سيعمل إبراهيم على تسويقها لاحقاً.
لكن في المقابل، لا يمكن إغفال ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات بشأن طرح حكومة الأقطاب، وما إذا كان سيسوّقها ابراهيم في موسكو، خصوصاً أن أي طرح من هذا النوع يُعوّم النائب جبران باسيل وهذا الأمر يرضي رئيس الجمهورية ميشال عون، أو أنّ هذا الطرح وُلِد ميتاً ولا يوجد من يتبنّاه في الداخل، علماً أن الموقف الروسي ثابت وهو حكومة إختصاصيين برئاسة الحريري من دون ثلث معطّل لأحد.
وإذا كان ابراهيم سيحاول إقناع الروس بمثل هكذا حكومة إذا اتفقت عليها القوى الأساسية، فعليه أيضاً الذهاب إلى باريس وواشنطن وبقية العواصم الفاعلة التي تصر على حكومة إختصاصيين مستقلّة خارجة عن سيطرة القوى السياسية.
هذا بالنسبة إلى الشق السياسي، إلا أن زيارة ابراهيم الروسية ترتدي طابعاً أمنياً مهماً أيضاً، فمعروف مدى الترابط الأمني بين الساحتين اللبنانية والسورية حيث تتواجد القوات الروسية، وبالتالي سيصار إلى بحث الملفات الأمنية وأبرزها نشاط الجماعات الإرهابية مثل “داعش” وأخواتها، وبحث كل تطوّر أمني يمكن أن يؤثّر على لبنان وسوريا، إضافةً إلى الوضع الأمني في المنطقة بشكل عام. والجدير ذكره أن ابراهيم لا يعمل فقط على الملف الأمني اللبناني بل على ملفات كبرى، ودخل في وساطات من أجل تحرير مخطوفين وحلّ بعض القضايا الأمنية العالقة.
وينتظر الجميع ما ستحمله زيارة إبراهيم، وهل هناك أي دفع جديد بالنسبة إلى الملف الحكومي، وفي هذه الأثناء تستمر موسكو المشغولة بقمّة الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره الأميركي جو بايدن، وباستقبال الشخصيات اللبنانية، ومن المنتظر أن يحلّ رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ضيفاً على القيادة الروسية، ومن المتوقّع أن تحصل الزيارة بين 20 حزيران وأواخر الشهر مبدئياً لأنها مرتبطة بجدول لقاءات لافروف.
وفي الخلاصة، تنطبق على كل هذه اللقاءات مقولة “حركة بلا بركة”، لأن الدول الكبرى ومهما كانت مهتمة بالشأن اللبناني لن تخوض معركة الإصلاح عن اللبنانيين الذين يعيشون المآسي نتيجة سياسات حكّامهم.