كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
بمرارة لا تخلو من أسى، أجبر محمد عوض على قطع اشتراك الكهرباء عن منزله في “سوق الحياكين” داخل احياء صيدا القديمة، لم يعد قادراً على دفع رسومه المتزايدة شهراً بعد آخر، حتى ناء بحملها واكتوى بنارها، فقرّر التخلّي عنه الى غير رجعة، واستبداله بـ “ضو” بطارية السيارات افضل من البقاء بالعتمة التي لا ترحم مثل الايام السوداء التي يعيشها لبنان. ويتساءل محمد “هل ما زال هناك احد في القرن الحادي والعشرين يعيش في الظلام وبلا أمل”؟ ويقول لـ”نداء الوطن”: “بدلاً من تحسين التغذية وتأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة، اصبحنا نعيش تقنيناً قاسياً وغير مسبوق والاسوأ قادم في الايام وربما الاسابيع القادمة، فيما غلاء المازوت وزياد ساعات التقنين، رفع الفاتورة الى اكثر من 320 الفاً، بينما أعيش كل يوم بيومه جوالاً، أبيع المحارم والمياه وغيرهما ممّا خفّ حمله، لتأمين قوت عائلتي المؤلّفة من والدتي وشقيقتي بعد وفاة والدي، ارتفاع الدولار والاسعار والغلاء حوّلوا حياة الفقراء جحيماً لا يطاق”. ويؤكد محمد انه يقوم بشحن البطارية ليجدّد الضوء في المنزل كل عدة ايام، عبر شاحن كهربائي حيناً، ويستعين بصديق له لديه سيارة كيا يشحنها حيناً آخر، ويقول: “رفعنا الصوت كثيراً وشاركنا في الاحتجاجات ولكننا للاسف لم نصل الى نتيجة، نوجّه رسالة الى المسؤولين والمعنيين اغيثونا… قبل فوات الاوان، نحتضر من الازمات المعيشية ولم نعد قادرين على تحمّل الغلاء”.
وعلى شاكلة محمد، سلكت الحاجة فاطمة ذات الدرب تفادياً للشرب من “الكأس المرة” بداية كل شهر، وهي الارملة التي ليس لها معيل، منذ اشهر طويلة قطعت الاشتراك عن المنزل، غير ان جارها “ابو علي” أشفق عليها ومدّ لها “لمبة” كي تضيء غرفتها في الليل، باتت تنتظر “كهرباء الدولة” كي تقضي حوائجها ولا سيما غسيل الثياب وتشغيل البراد، غير ان المعاناة تتفاقم مع التقنين القاسي.
فاطمة ومحمد ليسا الوحيدين في حارات صيدا القديمة واحيائها اللذين اقدما على هذه الخطوة، ولكن بالتأكيد هناك كثر باتوا يفكرون جدّياً بقطع الاشتراك الذي تحوّل عبئاً اضافياً في يومياتهم المعيشية، البعض خفّض قوة الاشتراك من 5 أمبير الى اثنين ونصف، والبعض الآخر تقاسموه بين جارين، يستفيد منه كل واحد مداورة حين تدعو الحاجة، والبعض الثالث شعر صاحب المولد بحاله فأبقى الاشتراك مجّاناً حتى يفرج الله الحال، والبعض الرابع أجرى له حسماً خاصاً مراعاة لظروفه القاهرة.
ويقول الشاب علي مصرية “إنّ المشكلة لا تكمن في وقف الاشتراك الكهربائي فقط، والعتمة في المنازل، بل في ارتباطه بالانترنت ومتابعة المجموعات الاخبارية او اجراء اتصال عبر “الواتساب” الذي بات جزءاً اساسياً من حياتنا العصرية لا يمكن الاستغناء عنه”، مضيفاً “بعض العائلات الميسورة تأخذ اشتراكاً مفتوحاً عبر الكابل او “اوجيرو” وتعطي الجيران والاصحاب كنوع من التكافل الاجتماعي توفيراً عليهم من الاعباء المالية الاضافية”، خاتماً “نحن نسير الى الهاوية… وبسرعة وغداً سنقول وداعاً للرفاهية التي عرفناها من قبل”.
وتحرص بلدية صيدا بداية كل شهر على اصدار تعميم حول التعرفة العادلة لرسم الاشتراك بالمولدات الخاصة، والذي حدّدته هذا الشهر بـ 320 الفاً ارتباطاً بتسعيرة وزارة الطاقة بـ 1.078 ل.ل عن كل كيلواط ساعة، ودعوة اصحابها الى تخفيف الاعباء قدر المستطاع كنوع من التكافل الاجتماعي في ظل الظروف المعيشية الصعبة. البعض التزم، والبعض الآخر اضاف كلفة خدمة رمزية خمسة آلاف، والثالث خفّض وقرّر جباية 300 الف ليرة لبنانية مع اتخاذ قرار بتقنين الاشتراك نحو ساعتين يومياً فجراً تخفيفاً للاعباء عن المشتركين.