كتب منير الربيع في “المدن”:
تترسخ في عقول اللبنانيين فكرة مفادها أن لبنان لا يمكنه الاستمرار على هذه الحال التي بلغها أخيراً، بل قد تتفجر أزماته تباعاً ومتلاحقة، بعد انكشاف عملية إلهائهم بمفاوضات تشكيل الحكومة وعرقلتها، فيما أصبحت همومهم في مكان آخر.
لبنان حزب الله والعونيين
الانطباع العام السائد في لبنان يحمّل حزب الله مسؤولية كل ما آلت إليه أوضاع البلد. وهذا يعني أن تشكيل حكومة أو عدمه لن يغيرا شيئاً من واقع الحال. وصار جلياً أن حزب الله بات يتقن تظهير المشكلة بأنها بين الحريري وعون. وانجلى أيضاً أن هذه المعادلة نتاجُ عمل يومي آني متدافع ويتقلب من يوم إلى آخر، لكن يستحيل ترسيخه في الواقع.
فلبنان الذي كان يتمتع بعلاقات عربية ودولية، ويضج بمشاريع واستثمارات، فقدها كلها لأنها تتعارض مع وجهة حزب الله السياسية والاستراتيجية. لذا خسر لبنان كل شيئ، باستثناء طروحات التوجه شرقاً، أو التعود على مبدأ العيش في الحرمان، والصبر على الحرمان.
طبعاً لا يسع أحداً إقناع حزب الله بفكرة الدولة وبناء مجتمع دولتي. فالمسألة مع حزب مثل حزب الله، ليست مسألة إقناع ويستحيل أن تكون كذلك.
ولا يمكن الرهان على تقويض التحالف بين حزب الله والتيار العوني. فهو تحالف أوثق من تفككه، مهما اختلفت الظروف. والطرفان يحضران معاً لمرحلة الانهيار الكامل: توفير مقومات الحياة ومتطلباتها في حدودها الدنيا، في مناطق سيطرتهما. ولو اقتضى منهما الأمر الحصول على هذه المتطلبات من إيران من المعابر المتوفرة.
ويستمر حزب الله في استعداداته لمواجهة هذه الاستحقاقات. وهو ينسق مع التيار العوني في هذا المجال. ومنه الحصول على المحروقات من إيران، سواء من معابر شرعية أو غير شرعية.
الدولة والحزب الأهلي
وساهمت تجربة حزب الله، حتى الآن، أن لا يؤدي الانهيار إلى انفجارات اجتماعية داخل بيئته، اعتماداً على جملة مشاريع: بطاقة السجاد التي وُزعت على كثرة من الناس في بيئته. لكن هناك معلومات تفيد أن هذه المشاريع غير قابلة لتلبية حاجات الناس. فالمواد المطلوبة غير متوفرة في متاجر السجاد. وهذا ما يدفع حزب الله إلى التفكير بكيفية مواكبة الأزمة، في حال ساءت أكثر فأكثر.
هذا، فيما يغيب عن هذه الوجهة أن أي طرف حزبي وأهلي، مهما بلغت قوته في بيئته، لا يمكنه أن يحل محل الدولة ومؤسساتها الجامعة. والوقائع تشهد على أن المقولات التي جرى تسويقها سابقاً -الحصار أو الإنهيار لن يضرا بحزب الله وبيئته- غير صحيحة، بل عكسها هو الصحيح. وهذا ما قد تثبته الأيام المقبلة.
والأدلة والوقائع بيّنة على ذلك: لما اندلعت أزمة كورونا وتفشى وباؤها، قام حزب الله باستعراضات كبرى لهيئته الصحية: سيّر مئات الآليات وأنشأ مراكز سريعة للحجر الصحي. ولكن سرعان ما تبين أن ذلك كله بلا معنى، ولا يتجاوز الصور. فالثقل كل الثقل ألقي على عاتق المستشفيات الخاصة والمستشفيات الحكومية. واقتصر عمل هيئة حزب الله الصحية على إجراءات بسيطة، مقارنة بتطور مسار الأزمة الوبائية.
بين النصر والهزيمة
واليوم لا يظهر داخل البيئة الشيعية، تعبير عن الغضب الكامن في النفوس كما يجب، سوى تلك العبارة: بيئة حزب الله هي المستهدفة بسبب خيارات المقاومة. لكن هذه العبارة وأمثالها لم تعد قابلة للصرف، لا سياسياً ولا اجتماعياً ومعيشياً، في ظل انسداد الآفاق في مجالات العمل والغذاء والدواء. ولم تعد تلك العبارة ترد على ألسنة الناس، ومنهم بيئة الحزب إياه اللصيقة، إلا على نحو هزلي وتهكمي: “إذا كان هذا هو الانتصار، فكيف تكون الهزيمة؟!”.
لكن حزب الله، في حساباته الاستراتيجية، لديه هموم أساسية: مواجهة اتساع الأزمات في مناطقه. وخصوصاً حفاظه على طريقي الجنوب والبقاع سالكين، وعلى نطاقهما الجغرافي. لذا يعمل على توفير الحدّ الأدنى من المقومات الحياتية في هذه المناطق.
دور الجيش
وعدا عن ذلك، وفي مناطق أخرى، يُلقى الأمر على عاتق الجيش الذي يواجه الأزمات بأبعادها المتعددة، اجتماعياً ومعيشياً، للحفاظ على استقراره، وعلى الاستقرار الاجتماعي والأمني في البلد. وهو من يضطلع بدور توزيع المساعدات.
فهل يؤدي هذا إلى فرز خطير، بين جهات ومناطق موالية لحزب الله وهو من يتولاها، وجهات أخرى تراهن على الجيش؟ وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى حجم الاهتمام الدولي الكبير بالجيش والمؤسسات الأمنية، وصولاً إلى التحضير لعقد مؤتمر دولي لمساعدة الجيش.