كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
أظهر الحراك السياسي الذي حصل خلال الأيام الماضية، أن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يتعامل مع المبادرات التي تهدف لتشكيل الحكومة العتيدة كأنه يملك ناصية القرار، ويتصرف كأنه صاحب العصمة في مصير التشكيل، وتغلب على تصريحاته، كما على طريقة التفاوض مع الوسطاء، أسلوب سياسي مشابه لما كان يعتمده رئيس التيار السابق، ورئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون، على اعتبار أنه الزعيم المسيحي الأقوى، وهو الذي يمتلك المشروعية المسيحية االتي تعتبر ضرورة ميثاقية لأي استحقاق، وقد أوحت التسريبات المؤكدة عن الوسطاء الذين انتدبهم الرئيس نبيه بري للتفاوض مع باسيل لتسريع تشكيل الحكومة، إلى أنه (أي باسيل) يملك المفتاح السحري للحل، وإشارة الموافقة منه كافية للحصول على توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم التأليف.
الظروف الشخصية التي يمر بها باسيل قد تعطيه بعض الأسباب التخفيفية عند الحكم على خطورة تبعات مواقفه الحالية، لأن الوقت الراهن هو بمنزلة الفرصة الأخيرة له قبل خروج عمه الرئيس ميشال عون من الحكم بعد ما يزيد على سنة بقليل.
والإمساك بقرار الحكومة الجديدة، يمكن أن يساعده في الغلب على محنته، وقد يكون الفراغ أو التعطيل من أهم الوسائل التي ينفذ بواسطتها من المحاسبة الشعبية وربما القضائية، وقد بنجو من الحصار المحكم عليه عن طريق إثارة الغرائز الطائفية التي عادة ما تشفع لأي مسؤول مرتكب إذا ما كان خصمه من طائفة أخرى.
تقول مصادر سياسية واسعة الاطلاع: إن هذه المقاربة التي يعتمدها النائب باسيل تحمل مجازفة غير محسوبة النتائج، لأن البلاد على شفير الهاوية، ومصير الدولة في خطر شديد، والناس تتسابق مع الهلاك والخوف أمام محطات الوقود وفي الصيدليات وتذوق مرارة الظلم عند أصحاب المولدات الكهربائية والبنوك، وهو ما لم يحصل بهذه الصعوبة من قبل، وربما يؤدي استمرار الوضع على هذه الحال الى انفلات مخيف.
ومعاناة باسيل الشخصية الكبيرة لا تبرر اتخاذه مثل هذا الخيار، وقد لا تفيده هذه المواقف بشيء، خصوصا لكون العقوبات الأميركية عليه لا تلغى بالضغوط السياسية، لأنها تستند الى مخالفات مالية تندرج في مواد قانوني قيصر وماغنيتسكي الأميركيين، وإلغاء القانونيين يحتاج الى موافقة الكونغرس، وليس قرارا من الإدارة الأميركية فقط.
وهذه العقوبات لها أبعادها الدولية المؤذية لمستقبله، خصوصا إذا ما أضيف إليها عزلة عربية وأوروبية تحاصر باسيل ايضا، كما أن وضعه الداخلي في لبنان في غاية الصعوبة، حيث الغالبية من اللبنانيين تحمله شخصيا المسؤولية الكبرى عن الانهيار، لأنه مسؤول عن ملف الكهرباء الذي استنزف خزينة الدولة، ولم يؤمن التيار للناس، كما أنه استولى مع حلفائه على كل التعيينات الإدارية والأمنية والقضائية، وتحكم بكل زوايا الدوائر الرسمية منذ ما يقارب الـ 4 سنوات لمحاربة خصومه – خصوصا في جبل لبنان – وبدا أن هذه الهيمنة أنتجت واقعا مترهلا في هذه القطاعات، بدل أن تزيدها قوة.
التبريرات التي يعلنها باسيل في بياناته تشبه بلاغات المعارضة كما لو أنه لم يصل الى الحكم نهائيا، وهي لا تنطلي على غالبية الرأي العام، لأن الطروحات الراديكالية التي يدعي فيها الحفاظ على الميثاقية وعلى حقوق المسيحيين وعلى مكانة رئيس الجمهورية في المعادلة، لا يمكن تسويقها في هذه اللحظة السياسية والمعيشية الخانقة، خصوصا كون باسيل اشترك في السابق مع الرئيس سعد الحريري بحكومات لم تنطبق عليها المعايير التي يطرحها اليوم، وهو لم يسم الحريري في استشارات التكليف هذه المرة، والحريري أعلن جهارا أن مهمته في الحكومة الجديدة إنقاذية، ولا تتحمل أي نوع من أنواع المناكفات الحزبية.
كما أن أخطاء الحريري في طريقة إدارته لمفاوضات التأليف، لا تبرر هذه الشراهة في تناوله بالتجريح الشخصي، مما استدعى ردودا مستقبلية أكثر فظاظة، ساهمت في تعقيد مهمة تشكيل الحكومة.