كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
تكتسب العلاقة المدروسة او «المقننة» التي تربط «حزب الله» بفرنسا أهمية خاصة، ربطاً بموقع كل منهما وما يمثلانه من اتجاهات قد تكون متباينة في كثير من الاوقات، لكنها لا تمنع حصول تقاطع في المصالح.
بمعزل عن بعض مظاهر المدّ والجزر احياناً التي تفرضها الوقائع المتحركة، لا يزال «حزب الله» يتعامل مع الدور الفرنسي في لبنان بواقعية وبراغماتية، وكذلك تفعل باريس في مقاربتها لدور الحزب، وهو الأمر الذي تتمايز فيه عن سياسات الولايات المتحدة وعدد من الدول الاوروبية.
هذه المساحة المشتركة، ولو كانت ضيّقة نسبياً، اتاحت للجانبين ايجاد تقاطعات سياسية بينهما من جهة، والتعايش مع المسائل الخلافية من جهة أخرى.
ولعلّ من ابرز مؤشرات هذه المرونة، تلقف الحزب المبادرة الفرنسية إيجاباً، وإن يكن ليس مقتنعاً على سبيل المثال بأنّ حكومة الاختصاصيين التكنوقراط التي تنادي بها هي الخيار الأفضل لمواجهة التحدّيات الحالية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفرنسيين الذين استثنوا من مبادرتهم وخطابهم طرح الانتخابات النيابية المبكرة او الإشارة الى مسألة السلاح، تجنباً لاستفزاز الحزب وخسارة تأييده لمسعاهم.
تعرف باريس انّ اي مبادرة لها في لبنان لا يمكن أن تنجح من دون تعاون «حزب الله»، ويعلم الحزب انّ «ربط النزاع»، ولو بالحدّ الأدنى الممكن، مع دولة أوروبية بحجم فرنسا، هو مكسب له وسط ما يواجهه من حصار وعقوبات.
وعلى الرغم من أنّ تاريخ جبل عامل في الجنوب حافل بالمواجهات مع الانتداب الفرنسي، الاّ انّ الحزب الحريص على الاستفادة من دروس التاريخ، يبدو حريصاً في الوقت نفسه على محاكاة الواقع وفق حقائقه الراهنة، من دون الإنجراف وراء «الإسقاطات» المسبقة والأحكام القاطعة.
والانفتاح المتبادل بين الطرفين ليس طارئاً، وان كان قد تمّ تفعيله في هذه المرحلة، فهو يعود إلى ايام مؤتمر «سان كلو»، حين شارك الحزب في اللقاء الحواري الذي استضافته فرنسا آنذاك، في محاولة لتقريب المسافة بين القوى اللبنانية المتنازعة، التي لا تزال حتى الآن تجتر خصوماتها، من غير أن تتعلّم من دروس تجاربها.
هذه النافذة المفتوحة بين باريس والحزب، انعكست تواصلاً متجدداً عبر زيارة السفيرة الفرنسية لدى بيروت آن غريو، قبل أيام، عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عز الدين في مكتبه في صور، ضمن جولة لافتة لها على الجنوب الذي يشكّل احد اهم معاقل الحزب، وذلك بالترافق مع استعدادات باريس لتولّي رئاسة مجلس الأمن الدولي والبحث في التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) التي تضمّ في عدادها قوة فرنسية، علماً انّ الحزب يرفض ان يواكب التجديد اي تعديل في طبيعة مهمات هذه القوات.
ولئن كان هذا البعد في الملف اللبناني قد حضر في لقاء عز الدين – غريو، إضافة إلى الشأن الحكومي الشائك، الاّ انّ النقاش تمدّد نحو مساحات اضافية، أوسع من تلك الحدود.
وضمن هذا السياق، عُلم انّ السفيرة الفرنسية اعتبرت، خلال إحدى مداخلاتها في الاجتماع، انّ الشعب اللبناني يتوق الى الحياة والهدوء «ونحن مهتمون بهذا الأمر لأنّ اللبنانيين جديرون بالحياة».
وردّ عز الدين قائلاً: «سعادة السفيرة، نحن أيضاً تعني لنا الحياة الدنيا، ونشعر بأنّ لنا الحق في التعليم والصحة والكهرباء والمياه». وأضاف: «نحن أيضاً نحب الحياة خصوصاً انّ مدينة صور هي وادعة وجميلة جداً».
هنا قاطعته السفيرة قائلة: «أعرف ما تقصد، انا من مدينة مرسيليا التي تقع كذلك على شاطئ المتوسط».
ثم اضاف عز الدين: «من منظارنا هناك فارق بالنسبة إلى نوعية الحياة.. لا أعرف اذا كنتِ قد تابعتِ مرحلة الاصطفاف الحاد بين 8 و 14 آذار، حينها رفعت قوى 14 آذار شعار «نريد أن نعيش» وجرى تعليقه على اللوحات الإعلانية، وفي المقابل كان موقفنا اننا نحن كذلك نحب الحياة، وأكثر منهم، فاستخدمنا الشعار نفسه وإنما مع إضافة كلمة واحدة ليصبح: «نريد أن نعيش.. بكرامة»، ولذلك قاومنا الاحتلال الذي اعتدى علينا وعلى ثقافتنا».
اما في الملف الحكومي، فقد اوضحت السفيرة الزائرة، انّ لبنان يشكّل اولوية بالنسبة إلى بلادها «وهذا ما أكّدته الزيارتان المتتاليتان للرئيس مانويل ماكرون اليه»، لافتة إلى انّ الوضع في لبنان ليس سليماً «والأمر الطبيعي ان تكون هناك حكومة تخفف من معاناة الناس، وانتم تستطيعون ان تساعدوا وان تؤدوا دوراً على هذا الصعيد».
وأوضح عز الدين لضيفته، انّ الحزب يعتبر انّ تشكيل الحكومة هو ممر الزامي لمعالجة الازمات المتراكمة، «ونحن اشتغلنا ولا نزال في هذا الاتجاه ولم نقصّر في دورنا بتاتاً».