أدركت الجهات الاقتصادية والدبلوماسية والامنية المعنية بأزمة التصدير الى السعودية حجم الكارثة التي ستصيب الاقتصاد اللبناني بعد اقفال المملكة ابوابها امام المنتجات الزراعية اللبنانية، والذي يبدو أن الحظر سيشمل قريبا الصادرات اللبنانية على انواعها، ففعّلت حركتها في الايام الماضية محاوِلة إرضاء المملكة، علّها ترأف بنا عموما وبمزارعينا والصناعيين خصوصا، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
إثر الاجتماعات الامنية التي عقدت في بعبدا بعد القرار السعودي، وكانت ابرز مقرراتها تعزيز الرقابة على المعابر الحدودية وفي المرافق اللبنانية عبر تركيب سكانرات او اصلاح المعطّل منها، سُجّل امس اجتماع في وزارة الخارجية، حضره الى الوزيرة زينة عكر، وزير المال، ووزير الصناعة عماد حب الله، ووزير الزراعة عباس مرتضى، ولجنة الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط النيابية. اللافت للانتباه، وفق المصادر، هو ان هذا الاجتماع خرج ايضا بمقررات تقنية – امنية الطابَع تم تعدادها مفصّلة في بيان ختامي، منها “تشكيل لجنة برئاسة فهمي لمتابعة الإجراءات والتوصيات التي إتخذت على المديين القصير والمتوسط. إنشاء دائرة للمخاطر في مديرية الجمارك اللبنانية. منع الإعارة للمخلصين الجمركيين وتحديد التخليص الجمركي بأصحاب المكاتب، حصر معابر التصدير الى دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصا المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن بمرفأ بيروت، إعطاء الأولوية للاسراع في تأمين وشراء وتركيب سكانر في مرفأ بيروت في أسرع وقت ممكن”…
فهل لا زال لبنان الرسمي في مرحلة رسم الخطة “الامنية” لضبط التهريب؟ تسأل المصادر، وألم تبدأ بعد عمليةُ تنفيذ الاجراءات على الارض، علما ان هذه الخطوات تم الاتفاق على جزء كبير منها منذ اسابيع؟ هذه المماطلة لا تبشّر بالخير. فالوضع الاقتصادي والزراعي، بحاجة الى معالجات سريعة لا الى آلة “سلحفاتية”، تتابع المصادر، وقد كان الوزير مرتضى بنفسه حذر نهاية الاسبوع الماضي من “كارثة زراعية – اقتصادية في حال استمرار قرار الأشقاء وفي طليعتهم المملكة بمنع دخول المنتوجات اللبنانية إلى أراضيها”.
الامر الثاني اللافت في اجتماع الخارجية، هو اضاءته على جانب آخر من الازمة مع المملكة خصوصا والخليج عموما، وهو الجانب السياسي. اذ وفق البيان الصادر عن المجتمعين، فقد تم الاتفاق على “تعزيز العلاقات مع الدول المعنية على المباشرة بالخطوات التالية: إعادة وصل ما إنقطع مع دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصا المملكة العربية السعودية في إطار سياسي – إقتصادي يعيد الثقة بلبنان وصناعته”.
الايجابي، بحسب المصادر، هو ان اعترافا سياسيا سجل للمرة الاولى، بكون الازمة ازمة ثقة، اي ان الرياض ما عادت تعتبر ان في لبنان دولة فعليّة يُمكن ان تتعاون معها وأن تتّكل عليها في ضبط حدودها وفي محاسبة من يخرقون سيادتها ويتجاوزونها لتصدير الممنوعات والمخدرات وحتى السلاح والمسلحين الى المملكة. واذ تشير الى ان هذا الاقرار “النوعي” يفترض ان يترافق مع حركة جدّية عملانية في الميدان وفي “طريقة ادارة البلاد”، تؤكد ان الشرعية عازمة على استرداد القرار والسيادة من خاطفيها، لتستحق ثقة الخارج من جديد، تلفت المصادر الى ان الرياض تنتظر أفعالا وبراهين وهي شبعت بيانات وحسن نوايا، وبالتالي فإن حظرها لن يُرفع قبل ان تلمس لمس اليد ان لبنان ومعابره وحدوده تحررت من سلطة قوى الامر الواقع. اليس استقبال سفيرها في بيروت وليد بخاري امس، ساعاتٍ عقب اجتماع الخارجية، قائدَ الجيش العماد جوزف عون في دارته في اليرزة، رسالةً ودليلا ساطعا الى ان استعادة ثقة المملكة تبدأ بإطلاق يد الشرعية وفقط الشرعية في لبنان؟! تختم المصادر.