كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
بدأت “القوات اللبنانية” إستعدادها للإنتخابات النيابية ليس من اليوم بل من اللحظة التي انتهت فيها انتخابات 6 أيار 2018، وأسفرت عن فوز الحزب بـ 15 نائباً توزعوا على معظم الدوائر ما عدا الجنوب.
ينكبّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع والدائرة المعنية بالانتخابات، على التحضير ودراسة الأرض، وإذا كانت معظم الإحصاءات تتّفق على تقدّم “القوات” في الدوائر المسيحية، إلا أن هذا الأمر لا يدفع جعجع إلى النوم على حرير، لأنه يتصرّف وكأن الانتخابات حاصلة غداً، وهي مصيرية ليس فقط لحزبه بل للبنان ككل، ويُراهن عليها لحصول التغيير المنشود وتحرير الأكثرية النيابية من أيدي “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” والمحور الإيراني.
والمعلوم أن جعجع يخوض المعارك على الأرض، وعندما يتطلّب الأمر نزوله إلى ساحة المعركة يكون في الطليعة أمام الشباب، وهذا الأمر يدعو إلى التساؤل عمّا إذا كان جعجع سيقدم على الترشّح شخصياً وترؤسه لائحة إنتخابية لـ”القوات” وذلك من أجل إعطاء زخم للمعركة، خصوصاً أنه إبن بشرّي وينتمي إلى الدائرة نفسها التي ينحدر منها كل من رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، أو إنّه قد يترشّح في دائرة الأشرفية التي تمتلك فيها “القوات” حضوراً قوياً ويحظى المقعد الماروني برمزية تاريخية، نظراً إلى أنه مقعد الرئيس المؤسس لحزب “الكتائب” الشيخ بيار الجميل.
ولا يقتصر ترشيح جعجع على الخيارات النيابية فقط بل يرى كثر أن ترشّحه للنيابة يجعل منه نائباً، وفي الوقت عينه رئيس تكتل نيابي مسيحي كبير ما يفرضه مرشحاً رئاسياً لا يمكن تجاوزه.
وأمام كل هذه الإحتمالات، فإن جعجع قد حسم خياره بالنسبة إلى مسألة الترشّح للإنتخابات النيابية، إذ إن المؤكّد أنه لن يترشّح لا في بشرّي حيث ستترشّح النائبة ستريدا جعجع ولا في الأشرفية التي تدعم “القوات” النائب المستقيل نديم الجميل، وتريد أن يحافظ على مقعده الماروني أو في أي منطقة أخرى، وهذا القرار متّخذ منذ خروجه من السجن، ولا يتعلّق الأمر بحسابات إنتخابية تتعلّق بالربح أو بالخسارة بل لديه نظرة أخرى لمسار العمل السياسي.
ويعتبر جعجع، صاحب العقل التنظيمي، أن رئيس الحزب يجب أن يُكرّس كل وقته لإدارة حزبه، ومثلما فصلت “القوات” النيابة عن الوزارة، فانه يفصل بين رئيس الحزب وبين أي مسؤولية أخرى لأن النائب أو الوزير الناجح يحتاج إلى 18 ساعة عمل في اليوم، فكيف الحال بالنسبة إلى رئيس حزب مثل “القوات” منتشر على كل الأراضي اللبنانية وفي بلاد الإغتراب؟ لذلك فالنجاح في إدارة الحزب يُحتّم عليه عدم الترشّح للنيابة أو تولّي أي مسؤولية أخرى.
وعلى رغم حسم جعجع عدم ترشّحه للنيابة، فإن المعركة النيابية المرتقبة ستُشكّل مدخلاً أساسياً للإنتخابات الرئاسية، ويرتفع منسوب الخوف من تأجيلها بعد تحذيرات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بوجود مخطط لتطيير الإنتخابات النيابية ومن ثمّ الرئاسية.
وأمام رهان جعجع على الإنتخابات النيابية، فإن “القوات” تعتبر أن جعجع مرشّح طبيعي للرئاسة سواء كان نائباً أم لا، وقد ترشّح سابقاً للرئاسة من أجل منع بعض القوى السياسية من أن ترشّح أشخاصاً لا يستحقّون أن يكونوا في موقع الرئاسة، ولا ينتمون إلى البيئة التي يجب أن يُمثّلها رئيس الجمهورية، وقد كرّس جعجع معراب كممرّ إلزامي لأي مرشّح يجب أن يصل إلى بعبدا.
وبعدما وصلت البلاد إلى الإنهيار بسبب سلوك ما عُرف بالرئيس القوي، تُصرّ معراب وقوى سياسية مسيحية على التمييز بين الرئيس القوي والرئيس التمثيلي، وتعتبر معراب أن القوة في لبنان هي في إلتزام الدستور وتطبيق القانون وحفظ الميثاق، وهنا أخطأ العماد ميشال عون كرئيس للجمهورية لأنه يستمدّ قوته من “حزب الله”، بينما يستمدّ جعجع قوته إنطلاقاً من هذه المسلّمات ودور لبنان التاريخي والخارجي وإلتزام الحياد.
أما النقطة الثانية التي تدفع “القوات” إلى خوض الإنتخابات النيابية بعزم أكبر، فهي تأكيدها ضرورة التمييز بين الرئيس القوي والرئيس ذي الحيثية المسيحية، لأنه مطلوب أن يكون الرئيس ممثّلاً لبيئته، وجعجع من الأكثر تمثيلاً ولديه علاقات سياسية مع الداخل ومع الخارج، وثابت في خطه السياسي والوطني.
وفي التأكيدات القواتية أن جعجع يسعى من خلال الانتخابات النيابية المبكرة، ليس للوصول إلى الرئاسة بل من أجل إنقاذ لبنان من الورطة التي وقع فيها، لكن من الطبيعي إذا كان الأكثر تمثيلاً على المستوى المسيحي أن يتقدّم رئاسياً، وبالتالي تسأل “القوات”: من يريد حينها أن يمنع جعجع من أن يكون رئيساً للجمهورية خصوصاً أن الأكثر تمثيلاً يستحق هذا الموقع، وإلا فلتُكسر هذه القاعدة شيعياً وسنياً ودرزياً ونذهب إلى نظام سياسي آخر.