كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
فيما تضع القوى السياسية الأساسية المشاركة في تشكيل الحكومة، على اختلاف انتماءاتها المذهبية “قالب الجبنة” الحكومية أمامها، لاقتطاع حصصها وفق قدرات “عضلاتها”، يتفرج من هو أقل “قوة” على حفلة المحاصصة من دون أن يتمكن من مد يده لشراكة في السلطة التنفيذية. وهذه حال الطوائف الموصوفة، بغير الأساسية، أو الكبرى. لا بل أكثر من ذلك، هناك من يعتبر أن القوى المارونية السياسية التي في السلطة تتعامل مع هذه الطوائف، على أنها ملحقة بها، وفي جيبها فتوزّع عليها الحقائب والمواقع وفق مصالحها، بلا أي معيار وطني أو تمثيلي.
وبينما “يتطاحن” زعماء الموارنة على الحصص الوزارية وحقائبها الدسمة وتلك الخالية من “الدسم”… تغرق بقية الطوائف المسيحية في حسابات “الكبار” لتصيرَ أشبهَ بـ”جوائز ترضية” تُقدّم في “نهاية الحسبة”، ليصير الكرسي الوزاري مجرد هدية بإمكان “كبار الطوائف” التلاعب بمصيره ونقله من ضفّة إلى أخرى.
ومع إمساك الأحزاب المسيحية، المارونية الزعامة، بقبضة السلطة، انسحب هذا الوضع على الطوائف المسيحية الاخرى، الأساسية منها، أي الأرثوذكس، والكاثوليك، وغير الأساسية، أي الأرمن، الانجيليين، وما يعرف بـ”الأقليات”.
ولهذا، وعند كل استحقاق حكومي، تخرج أصوات معترضة على سلوك طبّاخي الحكومة، الموارنة، الذين يتعاملون مع تمثيل بقية الطوائف المسيحية، على قاعدة أنها حجارة دومينو يتمّ نقلها وفقاً لاعتبارات زعماء الموارنة لا أكثر. وهذا ما حصل حديثاً، على أثر تسرب بعض من المسودات الحكومية التي خطّها الفريق العوني والمؤلفة من 24 وزيراً، ووضعت على طاولة البطريرك الماروني بشارة الراعي حيث خُصّص كل من الأرمن والأقليات بحقيبتين وُصفتا بـ”الوزارات الصغيرة”.
في الواقع، فإنّ تركيبة الـ24 وزيراً، لطالما فتحت الباب أمام سيناريو تمثيل “الأقليات” وهو احتمال يلاقي اعتراض الأرمن، كذلك الانجيليين، فكيف الحال حين تُترك لهؤلاء جميعاً “حقيبتان صغيرتان”؟ كما ذُكر في “المسودات البرتقالية”، في تصرّف لاقى استياء بعض أبناء هذه الطوائف بسبب التعامل معهم على أنّهم مجرد “ديكور” للتركيبة الحكومية.
ويذهب أحد المعترضين إلى حدّ القول إنّ الفريق العوني ترك للأرمن “وزارة صغيرة” بينما هؤلاء ممثلون بستة نواب في البرلمان، وهو حجم الكتلة التي قد يبلغها “التيار الوطني الحر” في الانتخابات النيابية المقبلة! ما يعني ألّا يُمنح هذا الفريق في حكومة ما بعد الانتخابات في حال صحّ هذا الواقع، أكثر من “وزارة صغيرة”.
اذاً، هو سلوك أثار نقمة بعض من اطلعوا على هذه المسودات من أبناء هذه الطوائف التي تشكو دوماً من التعامل معها بشيء من “الذمية السياسية” من جانب بعض زعماء الموارنة، في وقت صار فيه كل مسيحيي الشرق، بمن فيهم مسيحيو لبنان، من الأقليات، الأمر الذي دفع بالفاتيكان إلى دق ناقوس الخطر والعمل على ترتيب اجتماع يضمّ كل بطاركة الشرق المسيحيين، للبحث في مصير الوجود المسيحي.
وتعرضت الطوائف الست المسماة “أقليات” لعملية استبعاد سياسية عن كل الحكومات التي عرفها لبنان منذ الاستقلال، ولم تصل أي شخصية من هذه الطوائف إلى السلطة التنفيذية، في تصرف ينمّ عن عنصرية في التعاطي معها، كما يقول البعض من أبنائها، أو كأن هؤلاء يعدون من الدرجة الثانية فيما البقية مواطنون من الدرجة الأولى، وهي التي تضم ستة مذاهب مسيحية: السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، الأشوريون، الكلدان، اللاتين والأقباط، ما يعني نصف الطوائف المسيحية وثلث الطوائف اللبنانية. وقد استثني الانجيليون كما العلويون من هذا التصنيف.
وحدها الطائفة الانجيلية كسرت تلك القاعدة أكثر من مرة عبر الجلوس الى طاولة الحكومة وتوزير سمير مقدسي وباسل فليحان وسامي حداد. وقد تمكنت من تكريس عرف يسمح لأبنائها بدخول الجنة الحكومية فيما عجزت ست طوائف أخرى عن السير على خطاها.
وتطالب هذه الطوائف دوماً بالتعامل معها بنديّة وبتوزيرها في الحكومات المتعاقبة ولكن لا آذان صاغية. وتجدر الاشارة إلى مفارقة تستعاد للذكرى، وهي أن ميشال شيحا من المذهب اللاتيني أي ينتمي الى الاقليات، لم يخطر بباله أن الدستور الذي ساهم في وضعه لن يكون ضمانة لأبناء طائفته، ومن هم في “الخانة” نفسها، للوصول إلى “الجنة الحكومية”.