في خطابه في ذكرى تأسيس قناة المنار عصر امس، اعتبر الامين العام لحزب الله حسن نصرالله ان الازمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد هي في الواقع نتيجة حصار وضغط سياسييين خارجيين يمارسان على لبنان للانصياع لارادة الغرب وللتطبيع مع اسرائيل. الموقف هذا، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، ومع انه لا يقال للمرة الاولى من قبل مسؤولين في الثنائي الشيعي، الا انه لافت في ظل الانهيار الذي يصيب كل شيء في البلاد. فكأن بنصرالله يقول للشعب الواقف في الطوابير امام المحطات والمصارف والمستشفيات والصيدليات، أن عليه بالصبر والمقاومة والصمود، لان ثمن فك هذا الحصار وحلحلة الازمة المعيشية الاقتصادية القاتلة، هو الخضوع للاميركيين وحلفائهم. كما ان كلام الامين العام يعني ان، في نظر الحزب، ما نعيشه اليوم ليس نتيجة ممارسات فاسدة وقرارات خاطئة تم اتخاذها على مر السنوات الماضية، بتواطؤ كامل بين “المافيا والميليشيا”، بقدر ما هو عقاب لان لبنان يرفض “التطبيع” وسيدوم طويلا طالما بيروت على موقفها هذا.
نصرالله لم يكتف بهذه القراءة “المقاوِمة” للانهيار المالي، بل سارع الى تقديم حلول تنسجم تماما مع روحيتها. فقد قال “الأداء الرسمي ضعيف في كل الملفات ما يزيد من المعاناة، وعلى الحكومة ان تتحمل المسؤولية”. ولفت الى ان “المحتكرين يسرحون ويمرحون وهم معروفون ويحظون بالتغطية السياسية، وعلى الحكومة الحالية والوزارات المعنية ان تعلن الحرب على الاحتكار والمحتكرين وهذا جزء من المعالجة”، قبل ان يعلن ان “العرض الإيراني لإرسال المحروقات إلى لبنان وبالعملة اللبنانية ما زال قائما. وإذا بقيت الدولة على تقاعسها سنذهب الى ايران ونفاوض الحكومة الإيرانية ونشتري بواخر بنزين ومازوت ونأتي بها الى ميناء بيروت ولتمنع الدولة إدخالها إلى لبنان”، جازما بأن “مشهد اذلال شعبنا لن نتحمله”. واعتبر ان “ترشيد الدعم لن يحصل، فأي قرار رسمي بترشيد أو رفع الدعم يجب على الجميع تحمل مسؤوليته”، مضيفا “الحكومة الجديدة إن شكلت، برنامجها معروف من الآن، فلا حل لديها إلا صندوق النقد الدولي وأول شروطه رفع الدعم”.
بحسب المصادر، فإن انتقاد نصرالله لحكومة هي في الواقع، حكومته، وتصويبه على اداء وزارتي الاقتصاد والطاقة، من دون ان يسميهما، وهما في عهدة حليفه التيار الوطني الحر، مثيرٌ للتعجب، تماما كما اعلانُه خطّتَه الخاصّة لمعالجة الشح في المحروقات، وهو الاستعانة بايران. فهل يعلم نصرالله ان هذا الخيار الذي عمليا ستستفيد منه بيئته الحاضنة لا كل اللبنانيين قد يجر على البلاد كلّها عقوبات اقتصادية موجعة، كون شراء النفط الايراني محرّما دوليا؟! وهل يعلم ان ايران تقنن البنزين لشعبها الذي يشتريه عبر قسائم توزعها الدولة؟ ثم ان كان مهتما بالحل، فليستورد المحروقات الى سوريا ويدخلها الى لبنان عاكساً آية التهريب السارية اليوم من بيروت الى دمشق ويوفّر على الخزينة اللبنانية كلفة الاستيراد بالعملة اللبنانية التي يشير اليها ويحافظ في آن على ما تبقى من دولارات لم تهرب الى سوريا وغيرها. وتضيف المصادر المعارضة ان نصرالله يتحدث عن ادخال البنزين الايراني عبر مرفأ بيروت وهو على علم بأن هذا المرفأ واقع تحت الرقابة الدولية، فإن اراد المساعدة حقا فليستقدم نفط ايران الى ميناء طرطوس ويوزع منه لسوريا ولبنان في آن او يدخله عبر المرافئ اللبنانية الواقعة في مناطق نفوذه مثلا .
على اي حال، تشير المصادر الى ان تجاوز حزب الله الدولةَ اللبنانية وفَرضَه خياراته عليها، ليس بأمر جديد، فهو يفعل ذلك منذ اعوام، منذ ان بات يتفرّد بقرار الحرب والسلم ويقرّر ارسال مسلحيه الى سوريا واليمن للقتال.. فلماذا يأخذ اليوم رأي الدولة (علما ان أهم مراكزها في يده او في يد “أصدقائه”) في الاعتبار، ولماذا يستشيراللبنانيين في مسألة النفط الايراني وفي ما اذا كانوا يريدون، او في ما اذا كانوا قادرين على تحمّل حصار وعقوبات اضافية؟!
هذا في الشق الاقتصادي من الخطاب. اما سياسيا، فبرز ردّه على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من دون ان يسمّيه، في قوله ان الحديث كثر في الايام الماضية عن توجّه لارجاء الانتخابات النيابية فالرئاسية تمهيدا لتغيير النظام اللبناني. واذ اكد انه مع حصول الاستحقاق في موعده، ردّ في الموقف عينه على حليفه التيار الوطني الحر الذي كان يلوّح بخيار الانتخابات النيابية المبكرة، قائلا “ما زلنا ضد الانتخابات النيابية المبكرة واللجوء إليها مضيعة للوقت وبدل التحدث عن اجراءات نيابية مبكرة تفضلوا وشكلوا حكومة”. من هنا، قال نصرالله “نحن مع مواصلة السعي لتأليف الحكومة وعدم اليأس ونساعد الرئيس نبيه بري في مبادرته ويجب أن يسمع المعنيون بتأليف الحكومة أوجاع الناس وأن يشاهدوا القلق في عيون الناس”.
فهل سيكتفي نصرالله بانتظار صحوة ضمير المعنيين بعرقلة التأليف، وأبرزهم حليفه رئيس التيار جبران باسيل، أم انه سيتدخّل جديا ليفرض تنازلا عن الشروط وتشكيلا للحكومة؟ على الارجح، الخيار الاول هو الاقوى، بما ان نصرالله أكد امس انه يملك طرقه الخاصة لوقف معاناة ناسه وشعبه.