كتب رفيق خوري في نداء الوطن:
لا حدود للعقاب النازل بلبنان. لا على شيء فعله بل على ما يرفض فعله. عقاب يحكم به الذين ارتكبوا الجرائم بحقه من المسؤولين عنه والمتلاعبين به في الإقليم. لا بل يبدو العقاب أكبر من الجريمة. فهو يبدأ بإعادة لبنان، لا الى قبل مئة سنة، فهذا صار مطلباً مع الأسف، بل الى العصر الحجري: لا كهرباء، لا أدوية، لا مستلزمات طبية، لا مختبرات، لا مستشفيات، لا عملة تساوي ثمن الورق، لا إنترنت، لا قضاء، لا حكومة، لا مال ولا إقتصاد. وهو لا ينتهي بمواجهة خطرين: خطر التورط في حرب إقليمية تترابط خلالها الجبهات في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، تخوضها إيران بالوكالة وإسرائيل مباشرة. وخطر الزوال جراء أزمة وجودية تؤدي الى تغيير هويته وفقدان جوهره. كيف؟ عبر مخطط مرحلي يتم تنفيذه خطوة خطوة ضمن مشروع إقليمي يوحي أصحابه أنهم الأسياد الأقوياء في المنطقة التي يتحكمون بها في الحاضر وسيحكمونها في المستقبل.
البابا فرنسيس يقول: “لبنان لا يمكنه أن يفقد هويته ولا تجربة العيش الأخوي معاً التي جعلت منه رسالة الى العالم بأسره”. وهو دعا بطاركة الشرق الى لقاء في الفاتيكان للصلاة والتفكير في إنقاذ لبنان. والكل يعرف أن الفاتيكان لا يكتفي بالصلاة بل يحرك ديبلوماسيته الدقيقة في العواصم المؤثرة وأولاها واشنطن. الرئيس ماكرون حاول إنقاذنا، فاكتشف أن التركيبة السياسية ليست حتى من الذين ينطبق عليهم الحديث الشهير عن “قوم يقادون الى الجنة بالسلاسل” بل من قوم يرون أن جهنم التي يسودون فيها هي الجنة. وما أكثر العواصم العربية والدولية التي طلبت أن نساعد أنفسنا لتساعدنا في عبور باب مفتوح الى الإنقاذ. لكن المافيا المتسلطة أصرت على حروبها الصغيرة التي تخدم في النهاية الحرب الكبيرة على لبنان، وتركت الإنهيار يكتمل.
ولا فرق، سواء كانت النيات سيئة أو حسنة، كما نسمع في السجال السخيف والعقيم الدائر بين المسؤولين. ذلك أن “الطريق الى الجحيم مملوء بأصحاب النيات الحسنة” كما قال المؤرخ البريطاني تايلور. والرهان على ما يسميها الخبراء “قوة القابلية للعطب” هو رهان خطير لدى طرفين: واحد يتصور أن إقتراب لبنان من الإنهيار سيدفع العالم الى إنقاذه خوفاً من التأثير السلبي للإنهيار على الأوضاع في المنطقة وخربطة الحسابات حولها. وآخر يحسب أن الإنهيار هو الطريق الوحيد أمامه للإمساك بما تبقى من البلد وإعادة تأسيسه ضمن موازين قوى جديدة.
يقول الدكتور كيسينجر: “تقييم المسؤولين يتم، لا فقط بأفعالهم بل أيضاً بمفهومهم للبدائل”. ونحن منذ شهور وحتى سنوات أسرى خيار وحيد فاشل من دون أية محاولة جدية للبحث عن خيار بديل.