Site icon IMLebanon

لبنان ومرضى السرطان.. زيادة المعاناة وتكاليف العلاج باهظة

كتبت أندريا مطر في “القبس”:

يخوض مريض السرطان في لبنان مواجهات على جبهتين: الداء الخبيث والأزمة الاقتصادية المالية التي انسحبت تداعياتها على القطاع الطبي برمته.

المستشفيات تستغيث وتحدد كوتا للمرضى. الجهات الضامنة تتهرب من دفع كلفة العلاج. أدوية مفقودة في الصيدليات. ومختبرات أوقفت اجراء الفحوص نتيجة نقص حاد في الكواشف. هذا الى جانب هجرة عدد غير قليل من الاطباء الى الخارج نتيجة هذه العوامل كلها.

يروي عماد شحود المصاب بسرطان الرئة لـ القبس عينة عن معاناته المضاعفة بسبب المرض ومشاكل العلاج، قائلاً: «كان من المفترض أن أخضع لجلسة علاج أمس في مستشفى خاص، والتي تتطلب إجراء فحص دم في اليوم السابق. لكن إدارة المستشفى اتصلت بي وأبلغتني بتأجيل الجلسة الى الأسبوع المقبل لأن الدواء غير متوافر».

ويضيف بغصةٍ: «أبلغوني أيضاً ضرورة إجراء الفحوصات في مختبر خارجي؛ لأن مختبر المستشفى توقف عن إجرائها».

وتوضح اختصاصية امراض الدم والأورام، الطبيبة تيريز أبو نصر نبهان، وهي على تواصل يومي مع المرضى، إنه بسبب تفشي كورونا اضطر بعض المرضى الى اتباع علاج منزلي للتخفيف من خطر إصابتهم بالعدوى بسبب انخفاض مناعتهم. فضلاً عن تخفيف العبء المادي عن كاهل المريض؛ لأن كل دخول الى المستشفى يتطلب إجراء فحص كورونا لتأمين سلامته وسلامة المرضى والطاقم الطبي.

الأزمة المالية انسحبت على تأمين الدواء بصورة أساسية. فبعض الأدوية فقدت من السوق، ومن بينها الأدوية الرخيصة مثل أدوية اللعيان أو المسكنات ومضاد الالتهاب التي لم يكن المستورد يؤمنها بشكل منتظم.

ولجأت المستشفيات غير القادرة على توفير سيولة لشراء الأدوية الباهظة الى استبدالها بأدوية أخرى «جينيريك» أو «كوبيز» لتخفيف العبء عن الدولة أو عن الجهات الضامنة، تقول الطبيبة.

تغطية الضمان

مرضى السرطان في لبنان يعالجون على حساب وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي وهناك ايضا مرضى من المقيمين على الاراضي اللبنانية ممن لا يحظون بأي تغطية ويحتاجون للمعالجة. ومع ان الضمان الاجتماعي يغطي قسما كبيرا من حالات السرطان، الا أن المستشفيات بدأت أخيراً تتهرب من استقبال المرضى بسبب التأخير في تحصيل مستحقاتها. ونتيجة هذا الامر أصبح أغلب المرضى عاجزين عن تأمين ادوية اساسية للعلاج الى جانب الأدوية المساعدة.

الاطباء يتشاركون مرضاهم جزءا من هذه المعاناة. تشير الطبيبة ابو نصر الى ان نقص اللوازم لاجراء الفحوصات المطلوبة قبل اعطاء العلاج يؤثر في عمل الطبيب: «احيانا نعتمد على فحص أجراه المريض قبل شهر من بدء العلاج وهذا الأمر علميا غير مسموح ولكن الاولوية لعلاج المريض لأن اي تأخير يتسبب بتطور مرضه».

وبنتيجة هذه الازمات، يواجه المريض مشكلة في تأمين دوائه وتوفير الفحوصات اللازمة من فحص سكانر او التصوير بالرنين المغناطيسي وحتى فحوصات تشخيص السرطان، هي فحوصات مكلفة جدا في ظل الضائقة المالية، خصوصا ان عددا من المرضى فقدوا اعمالهم وشريحة كبرى أخرى تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية.

كلفة مضاعفة 3 مرات

والى مشكلة الدواء يتكبد المريض تغطية البدل المادي لجلسة العلاج التي ارتفعت من 500 الف ليرة الى مليون ونصف المليون. الضمان يلتزم الصمت حيال ارتفاع الكلفة لانه من حق المستشفى والطبيب ان يرفع بدل اتعابه. ولكن من اين يؤمن المريض هذا المبلغ؟ ولهذا السبب اوقف بعض المرضى علاجهم.

اما المريض الذي ساعدته ظروفه على اكمال رحلة علاجه، فليس بمنأى عن المشاكل. بعضهم اضطر للانتقال من مستشفى الى آخر بسبب عدم توافر الدواء وبالتالي تغيير الطبيب المعالج الامر الذي يؤثر سلبا في معنويات المريض.

هجرة الأطباء

وهناك أكثر من الف طبيب هاجروا من لبنان منذ بدء الأزمة وفق نقيب الاطباء، ولدى سؤالنا الطبيبة تيريز ابو نصر اذا كانت ستهاجر أكدت ان عائلتها واولادها والتزاماتها تجاه المرضى أهم من اي عروض مادية.

وقالت ابو نصر ان هجرة بعض الاطباء مردها الى التزامات مادية معينة توفرت لهم في الخارج، لافتة الى ان بعض زملائها هاجروا لأن جودة الرعاية الصحية التي يقدمونها تدنت نتيجة نقص بعض المواد التي يحتاجونها في عملهم. اما هي فتقول: «خياري البقاء في لبنان».

جمعيات الدعم تحتاج إلى دعم

من حسن حظ المرضى وجود جمعيات خيرية تساعدهم في تأمين الدواء المقطوع أو تقديم مبالغ مالية وفق المتوفر. وتبرز في هذا المجال جمعية بربارة نصار التي انشأها هاني نصار اكراما لذكرى زوجته المتوفاة بهذا المرض.

يتابع نصار عدداً من مرضى السرطان ممن يعيشون قلقا يفاقم اوجاعهم بسبب انقطاع الدواء. ويقول لـ القبس «من يسمع تصريحات وزير الصحة يعتقد ان لا مشكلة في تأمين الدواء ولكن الواقع شيء اخر». يورد نصار مثالا عن دواء لسرطان نقي العظم «ريفيلميد»، أدخلوا بديلا إيرانيا له و«قامت القيامة»، لان الدواء غير مرخص من جانب منظمة الصحة العالمية، «وعندما واجهنا الوزارة بهذا الامر، اجابتنا بأن اسبابا سياسية تمنع منظمة الصحة من الاعتراف به لكنه فعال».

بعض الاطباء والمرضى امتنعوا عن استخدام هذا الدواء. ثم ادخلت الوزارة بديلا آخر من شركة اردنية نالت موافقة منظمة الصحة العالمية. وفجأة اختفى ايضا. منذ شهرين، لا نجد دواء لمرضى نقي العظم، «لا سويسري ولا اردني ولا ايراني»، يقول نصار.

تهريب الدواء جماعياً وأفرادياً

عدا التهريب «بالجملة»، الذي يطول قطاع الدواء اسوة بسائر السلع المدعومة في لبنان، يتحدث هاني نصار عن «موضة» رائجة حاليا وهو توجه البعض الى الجمعيات التي تؤمن أدوية السرطان لطلب ادوية وبيعها لمن يحتاجها. ويروي ان احدهم طلب من الجمعية دواء لسرطان البروستات مرفقا اياه بوصفة طبية لمريضة مصابة بسرطان الثدي.

وجمعية بربارة نصار التي اسست بهدف تخفيف اوجاع المرضى ليس لديها تمويل خارجي، وانما تعتمد على انشطة لجمع التبرعات. وبسبب كورونا والازمة المعيشية توقفت انشطتها ما حدّ من قدرتها على المساعدة لتقتصر على الحالات الحرجة.

ومؤخرا، أطلقت الجمعية نداء لكل مرضى السرطان للانضمام الى مجموعات دعم وتثقيف هدفها تثقيف المريض على كيفية التعامل مع الاختصاصيين وتوفير الدعم النفسي له. وتتولى هذه المجموعات مناصرة مرضى السرطان للمطالبة بحقوقهم. ويقول رئيس الجمعية:«يجب ان يتوقف استغلال مرضى السرطان في لبنان، يتسولون المال باسمهم ويحرمونهم من العلاج!».

الأطفال يعانون تداعيات انفجار المرفأ

الاطفال المصابون بالمرض الخبيث لم يسلموا من ازمات بلادهم. فقد دمر انفجار مرفأ بيروت جزءا من مستشفى سانت جود المتخصصة في معالجة الاطفال المصابين بالمرض الخبيث. وأدى الانفجار الى تعطيل اقسام طبية معنية بمعالجة الأطفال، كما أدى إلى تشرد ونزوح عدد كبير من العائلات الى أماكن سكن أخرى بعيدة، ما حال دون متابعة علاج الأطفال.