جاء في “المركزية”:
تنهمك السلطات اللبنانية بأمور واجتماعات كثيرة، والمطلوب واحد: قرار سياسي مبرم ونهائي بضبط الحدود ومراقبة المرافق الحيوية والمعابر، الشرعية منها وغير الشرعية، لقطع دابر التهريب على انواعه، من السلاح والمسلحين مرورا بالبنزين والمازوت والبضائع المدعومة، وصولا الى المخدّرات التي فتحت على لبنان ابوابَ أزمة سياسية – اقتصادية خانقة مع السعودية.
فبحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، لا تزال الدولة اللبنانية تتخبّط “في ارضها”، وتعقد وزاراتُها وإداراتُها ورؤساؤها، الاجتماعَ تلو الآخر، وتَضَع الخطط لمكافحة التهريب ولجمه، من دون ان تنتقل حتى الساعة الى تنفيذها في الميدان، علما ان قرار الحظر السعودي على المنتجات الزراعية اللبنانية -وقريبا المنتجات على انواعها- مرّ على اتخاذه اسابيع.
والاخطر أنه في الوقت المستقطع هذا، حركةُ التهريب مستمرة، والمهرّبون يواصلون نشاطهم، مستفيدين ليس فقط من “مياعة” السلطات اللبنانية ومن انشغالها برسم الخطط دون جدوى، بل ايضا من غياب القرار السياسي بإقفال “حنفيّة” التهريب، وربّ قائل إنها تغطّيه وتغضّ النظر عنه، خاضعة “طوعيا”، لقوى الامر الواقع التي تعتاش منه ومن فوائده عليها، المالية منها و”الاستراتيجية” و”العسكرية”.
فأمس الاربعاء، وساعات بعيد انتهاء اجتماع موسّع عقد في الخارجية الاثنين كان محوره التصدي للتهريب، أعلنت الشرطة النمساوية انها فككت شبكة للاتجار فى العقاقير المخدرة والمنشطات واعتقلت 15 من المشتبه بهم بعد تحقيق استمر ثلاث سنوات استدعى مساعدة وكالات إنفاذ القانون في الخارج. ولفت ممثلو الادعاء إلى ان المنظمة متهمة بشحن ما يصل إلى 30 طناً من أقراص الكبتاغون إلى السعودية في السنوات القليلة الماضية، وتقارب قيمتها السوقية 180 مليون دولار. ونقلت وكالة الأنباء النمساوية “ايه بي ايه” عن رئيس مكتب التحقيقات الجنائية الإقليمي في سالزبورغ كريستيان فوغنبرغر، توضيحه ان الشرطة “اعتقلت 13 مشتبهاً في 22 آذار في النمسا و2 آخرين في ألمانيا”، لافتة إلى أن “النمسا كانت محطة توقف في تهريب المخدرات التي تصنع في لبنان”. اما وسائل إعلام سعودية، فأفادت الأربعاء، بأن الشرطة النمساوية ضبطت 30 طنا من “الكبتاغون اللبناني”، وأوقفت عددا من المشتبه فيهم قبل تهريبهم المواد إلى المملكة العربية السعودية.
هذا الواقع المضحك – المبكي الذي ينطبق عليه قول “شرّ البليّة ما يُضحك”، يؤكد ان اداء المنظومة السياسية “فاشل”، بدليل ان تصدير الكبتاغون من بيروت مستمرّ، ويؤكد ايضا ان المقاربة اللبنانية للازمة هذه، يشوبها عطبٌ جوهري. فهي، اي الدولة، تعتبر ان ثمة مجموعات “شرّيرة” معزولة في المكان والزمان، تعمل على تنظيم عمليات تهريب لتستفيد ماليا، وتتصرّف وكأن هناك عصابات تمتهن تجارة الممنوعات لتعيش، كما هو الحال في معظم دول العالم. الا ان الحقيقة مختلفة تماما في لبنان. ثمة مافيات نعم، الا ان الجهات المسؤولة عن هذا التهريب الممنهج، محميّةٌ سياسيا ومغطاةٌ ومدعومةٌ من “قوى الامر الواقع”. وهذه العمليات، تضيف المصادر، تحصل بعلم وتنسيق كاملين مع القوى المذكورة التي تتولى مهمّة تمرير البضائع المهرّبة عبر المرافق الحدودية كونها واقعة تحت سيطرة “أزلامها”، فيما تتحكّم ايضا بالمعابر والممرات غير الشرعية.
معالجة معضلة القرار السعودي اذا، والذي سيكبّد الاقتصاد اللبناني خسائر بالملايين، تحتاج أوّلا وقبل اي شيء آخر، الى قرارٍ تتّخذه “الدولة” بالتصدي لقوى الامر الواقع هذه – التي تحوّلت دويلةً بكل ما للكلمة من معنى- وبمواجهتها وكفّ يدها عن المعابر والمرافق، لاستعادتها الى كنف الشرعية، على ان تكلّف أجهزتَها بعد ذلك، بتطبيق قرارٍ واضح وصارم بضبط هذه النقاط بحزم، وبالاشراف عليها.. فهل تقرّر الدولة الانتفاض لسيادتها، أم أنها راضية ومستفيدة مِن سكوتها عن ممارسات الدويلة؟!