كتبت رلى موفق في “اللواء”:
يسير لبنان بسرعة نحو الارتطام الكبير. ستتفاقم أكثر الأزمات الحياتية مع استحالة مواصلة مصرف لبنان دعم المواد الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية والمستلزمات الطبية والأدوية، وستتوالى الانهيارات في مختلف القطاعات على وقع مزيد من تهاوي العملة الوطنية. سيجري ذلك كله وسط انسداد داخلي في الأفق يعكس حالة الانتظار لتبلور معالم التسوية الإيرانية – الأميركية ومآلاتها وحدودها. قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على طريقته حين تمنى عدم تحديد تواريخ بأسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة لتأليف الحكومة بعد سبعة أشهر على التكليف.
فنهاية الشهر على موعد مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستأتي بالمرشح المتشدد إبراهيم رئيسي رئيساً للبلاد بعدما تم تمهيد الطريق أمامه بإزاحة منافسين جديين له. ومع إنجاز هذا الاستحقاق، سيشهد شهر تموز، من حيث المبدأ الإعلان عن توصل المفاوضات الإيرانية – الأميركية إلى عودة للاتفاق النووي. ما يقوله منظرو «محور إيران» أن الأميركيين في مفاوضاتهم الراهنة مع الإيرانيين يحصرون البحث بملفي النووي واليمن كأولوية لإدارة جو بايدن، من دون التطرق إلى ملفات العراق وسوريا ولبنان، والتي لطهران فيها نفوذ كبير. وسيعطي إعلان العودة إلى الاتفاق النووي زخماً لطهران في سياق تمددها في المنطقة، بعدما أمّنت لنفسها هامشاً من المناورة لحظة قبول واشنطن بفصل النووي عن ملفي الصواريخ الباليستية وأذرعها العسكرية.
وفي الاستحقاقات، يرصد «المحور» ما ستسفر عن القمة الرئاسية الأميركية – الروسية المرتقبة في 16 حزيران ببن جو بايدن وفلاديمير بوتين، وما إذا كانت ستفتح نافذه تعاون في سوريا وترسم وجهة السير في هذا الملف التي لا تحدد موقع إيران وأذرعها العسكرية في المعادلة السورية فحسب، بل تنسحب تأثيراتها المباشرة على لبنان. كما أن مسار الملف اليمني في قابل الأيام أو الأسابيع سيحدد حجم الانفراج في العلاقة الإيرانية – السعودية، وإن كانت أوساط قريبة من المحور تحدث عن «فرملة ما» حصلت على صعيد محاولات التقارب.
ستحكم وتيرة جلاء المشهد الإقليمي سرعة التأليف التي يمسك به «الثنائي الشيعي» عبر مبادرة الرئيس نبيه بري التي أكد نصر الله استمرارها ومعاونة «الحزب» فيها. وإلى أن يحين الوقت، سيبقى «الثنائي» عاملاً على خط ما يسميه مراكمة الإنجازات في الصندوقة، بحيث أن ما يتم الاتفاق عليه، على حدة، مع كل من الرئيس المكلف سعد الحريري وصهر رئيس الجمهورية ووريثه السياسي جبران باسيل، يتم يشكل نقطة انطلاق لجولة جديدة ولا عودة عنه. ما تم إضافته إلى الصندوقة هو اتفاق على توزيع الحقائب، جرى وصفه بـ«التوزيع العادل»، كان بدأه بري مع الحريري في عين التينة واستكمله المعاونان السياسيان لبري ونصر الله مع باسيل. ووفق المعلومات، جرت مقاربة أكثر دقة للحقائب الحساسة، ومنها وزارة الطاقة التي ستخرج من يد «التيار العوني»، وقد تؤول في النهاية إلى حصة «حزب الله». وكان من النقاط التي طرحت ماهية الحقيبتين اللتين ستوكلان إلى الوزيرين المسيحيين من حصة الحريري في حكومة الـ24 المقسمة على قاعدة الثلاث أثلاث.
احتمال إدارة حكومة دياب الاستحقاق الديمقراطي مطروح بقوة… ولا عوائق دستورية أمامها
في المحصلة، لا حكومة في مدى الأسابيع المقبلة. وقد أصبحت «حكومة مهمة» وفق المبادرة الفرنسية غير قابلة للتحقق على بعد نحو عشرة أشهر فاصلة عن استحقاق الانتخابات النيابية. حسب المعلومات، تُطرح أفكار، تُنسب إلى الفرنسيين، بالذهاب إلى حكومة تكون بين منزلتي حكومة المهمة والحكومة الانتقالية، بحيث يمكنها إدارة الارتطام، وتأتي بالحد الأدنى من المساعدة القادرة على تمرير هذه المرحلة، وتدير في الوقت نفسه، عملية الانتخابات النيابية التي من شأنها أن تنتج الطبقة السياسية المستقبلية التي ستلقى على عاتقها مسؤولية اخراج البلاد من الحفرة عبر خارطة الطريق المرسومة من قبل المجتمع الدولي والتي لا مفر من عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي مرفقة بحزمة من الإصلاحات المعلقة.
لا تزال «حكومة الحد الأدنى» أو حكومة «المنزلة بين منزلتين» فكرة مطروحة، ويرتقب قدوم جديد لموفدين فرنسيين إلى لبنان لسبر أغوارها، وما إذا كانت قابلة للتحقق أو ستتم ممارسة ضغوط على الأطراف الداخلية للسير بها كخيار أمثل للفترة المقبلة التي ستشهد مزيداً من الانهيار والضغوط الاقتصادية والاجتماعية تتطلب قدراً معيناً من المعالجة تكون بمثابة أوكسجين للبلاد قادر أن يمدها بالحياة، ويكون ممكناً إجراء الانتخابات النيابية.
ليس في وارد «الثنائي الشيعي» التخلي عن الحريري رئيساً للحكومة. وإذا كان من حكومة ستشكل بذلك العنوان، فسيكون له الكلمة الفصل في تسمية رئيسها، بمعنى أنه سيكون شريكا كاملاً فيها، على غرار ما حصل مع حكومة الرئيس تمام سلام التي جرى تأليفها في عهد الرئيس ميشال سليمان وأدارت البلاد خلال الفراغ الرئاسي.
الاتجاه السائد في الكواليس يشي بغياب بحث في حكومة انتقالية تكون مهمتها محصورة بالانتخابات. وإذا ما اقترب الوقت من موعد الاستحقاق، فإن القرار سينحو صوب حكومة حسان دياب من أجل تولي انجاز هذا الاستحقاق، ذلك أنها قادرة وإن كانت حكومة تصريف أعمال على إدارة العملية الانتخابية، ولا عوائق دستورية أمامها.
ثمة من يقول: إن رئيس الجمهورية ووريثه السياسي يفضلان أن تبقى حكومة دياب مهما كانت الاستحقاقات المقبلة: إدارة انتخابات نيابية أو إدارة فراغ رئاسي. وقد يكون في مصلحة الآخرين الانتظار لمعرفة ما ستكون عليه التوازنات الجديدة!.