Site icon IMLebanon

“الحزب” يتحرك انتخابيًّا في الشارع السني

كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:

لا يزال «حزب الله» يدعم مساعي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لتشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري، لكنه في المقابل لا يريد أن يخسر تحالفه مع رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره زعيم «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.

ويلعب الحزب بذكاء شديد؛ إذ يحرص على العلاقة مع حليفه المسيحي، ويدعم مساعي حليفه الشيعي، ويبقي كل الخطوط مفتوحة مع الحريري رئيس الحكومة المكلف، لتجنب أي توتر سنّي – شيعي. وفي هذا الإطار، أوفد إلى الحريري نائبين سنيين متحالفين معه هما جهاد الصمد وعدنان طرابلسي، في مؤشر يعرف الحزب كيف يستخدمه بشكل جدي لإيصال رسائل انتخابية للحريري، وإيصال رسائل سياسية إلى حليفه «التيار الوطني الحرّ».

كانت زيارتا النائبين السنيين المعارضين للحريري إشارة دعم من «حزب الله»، تحت عنوان الحرص على الموقع السنّي وصلاحيات رئيس مجلس الوزراء. وبالتالي تستهدف الرسالةُ «الوطني الحرّ» وكل ممارساته، وهذا يعني أن الحزب لم يعد يقتصر في حركته السياسية على الجانب الحكومي فقط وإدارة المفاوضات، بل أصبح يطلق إشارات انتخابية تجعله الطرف المقرر شعبياً، من خلال الاختراقات التي سجلها وحققها في البيئة السنية، خصوصاً في بيروت، وقد أظهرت الانتخابات الأخيرة في عام 2018 حجم كتلته الانتخابية، والتي يمكن من خلالها أن يساعد أي طرف على تعزيز وضعه، وهي ورقة يستخدمها الحزب لاستدراج الحريري أكثر إلى تفاهمات معه، وإن بشكل غير مباشر.

الأمر نفسه ينعكس على الوضع في الشمال، وتحديداً في منطقة المنية، حيث للحزب فيها حضور من خلال حلفاء كجهاد الصمد وكمال الخير.

بهذه اللعبة، يستكمل «حزب الله» إمساكه الكامل بالمجريات السياسية، من خلال تحالفه مع رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، وإبقاء الحريري المكلف لرئاسة الحكومة بحاجة دائمة إليه. هذه المعادلة يستخدمها الحزب في آلية تشكيل الحكومة، من خلال الحركة التي يقوم بها «الخليلان» (حسين الخليل المعاون السياسي للأمين العام للحزب، وعلي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب)، وبذلك يصبح الثنائي الشيعي هو المتحكم بإدارة اللعبة، بري من خلال علاقته مع الحريري، والحزب من خلال علاقته مع عون وباسيل.

في هذا الإطار، جاء الاجتماع الذي عقد ليل الثلاثاء ـ الأربعاء بين وفد من «حزب الله» وحركة أمل مع باسيل. وتؤكد المعلومات أن وفد «الثنائي الشيعي» طرح على باسيل تسهيل عملية التشكيل، فتم تجديد التفاوض من النقطة الأولى، وهي تشكيل حكومة من 24 وزيراً، بلا ثلث معطل، وتم النقاش في كيفية توزيع الحقائب. وتكشف مصادر المجتمعين أن باسيل اعترض على إعطاء وزارة الطاقة والمياه ومنصب نائب رئيس الحكومة إلى تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية، واقترح بدل ذلك منحه وزارة الاتصالات، لكن هذه الوزارة يطالب بها الحريري.

كذلك من بين الخلافات المستمرة قضية تسمية الوزيرين المسيحيين، فباسيل يريد أن يتم اختيارهما بالتوافق بين بري والحزب ووليد جنبلاط وعون ثم الحريري، بينما الأخير يعتبر أن هذا الإجراء يمثل إهانة لرئاسة مجلس الوزراء، وأن حقه الدستوري يقضي بتسمية وزير مسيحي أو أكثر.

وبينما الأجواء اللبنانية تبدو متفائلة لناحية إطلاق المفاوضات بجدية، لكن لا يمكن لأي طرف أن يجزم بنسبة نجاحها، في حين ستكون مهمة الحكومة، في حال شُكلت، الذهاب إلى صندوق النقد، وإجراء إصلاحات في قطاع الكهرباء، وإجراء الانتخابات النيابية. وهذه بحد ذاتها عناوين تتعارض مع بعضها البعض.

وفي الوقت الذي يبدو فيه رئيس مجلس النواب مستعجلاً لتشكيل الحكومة، إذ تنقل عنه مصادره القول إنه «يجب تشكيل الحكومة خلال أيام قليلة، وبحال لم ننجح يعني أن أزمة التشكيل ستكون طويلة»؛ فإن حزب الله يتعاطى وفق سياسة النفس الطويل، خصوصاً بعد كلام نصر الله، الذي أشار فيه إلى أن تشكيل الحكومة قد لا يحصل خلال أسبوع أو أسبوعين، ولا يجب الالتزام بمُهل.

في هذا الصدد، يتحضر الحزب للتعايش مع الأزمة الاقتصادية المستفحلة، على المدى الطويل، من خلال سلسلة إجراءات تقشفية أولاً، وثانياً من خلال طرح نصرالله مسألة الإتيان بالمحروقات من إيران، ليعزز من وضعه الاجتماعي والمالي، إذ إن هذه المحروقات بحال وصلت إلى الأسواق اللبنانية سيعمل حزب الله على بيعها وتوزيعها على محطات الوقود، مما سينتج حركة مالية جديدة لديه، وهذا مؤشر جديد على توجه الحزب القادر على إدارة الأزمة بمختلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية والمالية، في مواجهة خصومه.