بعد حرب البيانات التي اشتعلت مجددا بين الفريق الرئاسي من جهة وبيت الوسط من جهة ثانية، عصر امس، بدا ان مسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري يلفظ انفاسه الاخيرة، وأننا باقون في الشغور الحكومي والمأساة الاقتصادية المعيشية حتى اشعار آخر.
لم يكن احتدام جبهة الداخل الدليل الوحيد الى هذا الانسداد، بل ان مؤشرات كثيرة اتت من الخارج تؤكد هذه الحقيقة المرة، بحسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”… من هذه المؤشرات مواقف للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحدث فيها عن شبكة امان يُعمل على تشكيلها استعدادا للأسوأ اجتماعيا.
فقد قال ماكرون امس انه “يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية في حال حدوث أيّ اضطراب سياسي”. واعلن في مؤتمر صحافي، مواصلة العمل للدفاع عن خريطة الطريق بشأن لبنان وانه سيدافع عن جهوده لتشكيل حكومة من شأنها أن تقود الإصلاحات وتطلق العنان للمساعدات الدولية”.
الى هذا الكلام الذي يشير الى مرحلة انهيار اضافية مقبلة الى لبنان، وبعدم تعويل باريس بعد اليوم على اي خرق حكومي من الممكن توقّعه، سُجّلت مواقف تذهب في الاتجاه عينه على لسان صندوق النقد الدولي، لا تدفع الى الطمأنينة بل العكس. ففي تعليقه على اقتراحات مراقبة وضبط رأس المال والسحب من الودائع، اعتبر الصندوق أنها “تحتاج أن تكون جزءاً من إصلاحات أوسع للسياسات حتى تكون مستدامة”.
وقال المتحدث باسم الصندوق جاري رايس، في إحاطة صحافية “لا نرى حاجة لتطبيق قانون مراقبة وضبط رأس المال (الكابيتال كونترول)، خاصة من دون دعم من سياسات ملائمة مالية ونقدية وأخرى لسعر الصرف”. وتابع “من وجهة نظرنا، فإنّ اقتراحات تطبيق قانون لمراقبة وضبط رأس المال وإضفاء الصفة الرسمية على السحب من الودائع سيحتاج لأن يكون جزءا من مجموعة أوسع من إجراءات السياسة والإصلاحات حتى تصبح مجدية ومستدامة”. إلى ذلك، رأى رايس أنه “ليس واضحاً بالنسبة لصندوق النقد الدولي كيف سيُموّل السحب من الودائع، نظراً للتراجع الحادّ في النقد الأجنبي في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية”، مشيراً إلى “خطر بالغ” حيال إمكانية أن يزيد المتداوَل من العملة المحلية من جديد عمّا وصفها بالمستويات المرتفعة فعلاً. وأضاف “يزيد هذا من الضغوط التضخمية وانخفاض قيمة العملة، وهو ما سيكون مضرّاً بشدّة بمستويات المعيشة”.
على اي حال، تشير المصادر الى التحرّكات التي عادت الى الشارع في اليومين الماضيين، حيث تقطع الطرقات في عدد من المناطق احتجاجا على تردي الاوضاع المعيشية، معطوفة الى الارتفاع الذي يصيب سعر صرف الدولار، والى مشاهد طوابير الذل امام محطات المحروقات والمستشفيات والمصارف والافران، وتوسّع رقعة الازمات التي لم توفّر قطاعا الا وضربته، وسط غياب اي حلول جذرية او نية حقيقية بايجاد حلول، هذه المعطيات كلّها تؤكد ان ما نبّه منه ماكرون لم يعد بعيدا، وانه أوعى من المسؤولين اللبنانيين وحريص اكثر على لبنان وشعبه، فهو يعدّ العدّة ليكون حاضرا للأسوأ، بينما المنظومة التي يجب ان تتولى عملية انقاذ شعبها، تتفرّج… تختم المصادر.