كتب منير الربيع في “المدن”:
يسير لبنان في حقل من الأزمات. كثر يتوقعون الانفجار، لكنه قد يتأخر. وكثر ينظرون إلى الانهيار الكبير، لكن ثمة قدرة تمنعه. والسجالات القائمة حكومياً، مالياً، سياسياً، وانتخابياً، تندرج في إطار العقم الخالص. والمسؤولية تقع على اللبنانيين أجمعين، ومنهم أولئك الذين خرجوا في 17 تشرين معلنين، أوجاعهم في الشوارع.
أمل في البطريركية
وهذا كله يقود إلى خيار من اثنين: السُبات حتى الموت أو الفوضى. ومن يستطيع القيام بحركة ما لمواجهة الوضع المهترئ، هي الكنيسة والبطريركية اللتان تتحضران للقاء الفاتيكان في الأول من تموز. فقوتهما من قوة لبنان. والمسؤولية ملقاة على عاتق البطريركية التي يقول رأسها أن ما يجري هو إنهاء للبنان. وقد يشكل لقاء الفاتيكان فرصة باعتباره الأقدر على فتح قنوات التواصل مع المجتمع الدولي، وخصوصاً الأميركيين والأوروبيين.
لذلك، هناك من يعوّل على مؤتمر تموز، كفرصة تتمحور حول تنشيط فكرة استنقاذ لبنان من مشروع الانهيار والدويلات التي ترتسم على أسس “مساعدات” أو مواد غذائية وطبية ومحروقات وغيرها. مع العلم أن هذه النماذج تتعمم على دول المنطقة كلها.
ومن يذهب إلى الفاتيكان يرفع شعاراً عنوانه “استنقاذ الدولة من الميليشيا”. ويعمل كثير من رجال الكنيسة على السعي لإعادة الاعتبار للدور الذي تضطلع به، بسبب استقالة القوى السياسية من مهامها وأدوارها. وذلك نسجاً على منوال ما فعله البطريرك صفير منذ العام 2000، تأسيساً لانتفاضة العام 2005.
ففي المحطات التاريخية والمفصلية يلقى على عمل البطريركية المارونية دور كبير: منذ تأسيس لبنان الكبير إلى البطريرك صفير والإستقلال الثاني، وصولاً إلى العنوان المطروح حالياً وهو استعادة الدولة.
بين الطائفي والوطني
لكن المشروع المطروح يجب ألا يتعلق بقتال طائفة معينة، ولا بانقسام إسلامي-مسيحي. بل بمطلب يجمع اللبنانيين حول مشروع وطني ويلقى قبولاً جامعاً، وخطاباً متوازناً لا يخاطب المسيحيين وحدهم، ولا تستفيد منه قوى سياسية تستثمر في شعارات انقاذ المسيحيين في لبنان. رغم أن الهدف الأساسي هو انقاذ دور المسيحيين، انطلاقاً من موقعهم الوطني وليس الطائفي.
فلا قيمة للمسيحيين ودورهم إلا إذا كان متنوعاً ويحافظ على التنوع. وهذا لا بد له أن ينطلق من كلام البطريرك عندما دعا إلى الحياد وعقد المؤتمر الدولي. أي التركيز على فكرة أن اللبنانيين كلهم مهددون، وليس المسيحيين وحدهم. وبإمكان المسيحيين الاستناد إلى دورهم التاريخي والجوهري لإعادة الاعتبار لمفهوم الكيان والدولة، ولإنقاذ دورهم الوطني في عملية استنقاذ اللبنانيين أجمعين.
ويعلم رجال الكنيسة أن هناك من يسعى إلى استدراجها إلى خطاب فئوي أو طائفي. وهي ترفض ذلك. لأن هذا الخطاب يؤدي إلى تعميق الأزمة ولا يحلّها. لذلك يبحث البطريرك في عقد لقاء مسيحي-إسلامي يسبق زيارة الفاتيكان، لإضفاء الطابع الوطني عليها.
رئيس العزلة
هناك أسئلة كثيرة تطرح عن الأسباب التي أدت إلى الانهيار. وهناك نموذج أساسي قائم أمام المسيحيين حالياً: المصير الذي وصل إليه رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، اللذان يعيشان عزلة دولية وعربية، بسبب تحالفهما مع حزب الله، ووضعها الخيارات كلها في سلته.
وهناك تساؤلات كثيرة عن مصير التيار العوني ورئاسة الجمهورية التي لم ينجح شاغلها في القيام بزيارة واحدة إلى أي دولة في العالم. ولا نجح في وضع حجر الأساس لمشروع واحد طوال سنوات عهده. ولا في قص شريط افتتاح مشروع واحد. وهذا فيما يسمي عهده “العهد القوي”، ليشهد لبنان أكبر نسبة هجرة أو رغبة في الهجرة والهرب من الواقع القائم، المفعم بالذل، وامتهان الكرامات، وكل ما يمت لنموذج الدولة بصلة.
الفاتيكان الدولي والاغتراب
والمشكلة ليست مشكلة مسيحيين، ولا شيعة، أو سنّة. ولا هي مشكلة صلاحيات. بل يكمن التحدي الأساسي في إعلاء شأن فكرة المواطنة، في مقابل فكرة حقوق الطوائف والحقوق المذهبية ومحاصصاتها. لذلك، فالواقع القائم حالياً، بغض النظر عن الموافقة أو الاعتراض عليه، تبدو الكنيسة اليوم هي المؤهلة لقيادة معركة الانقاذ بعناوين لبنانية ووطنية، تعيد الاعتبار لفكرة الدولة في مواجهة لعبة الطوائف التي تقود الى المحاصصة التي دمرّت البلاد.
ويشكل اللقاء في الفاتيكان فرصة أساسية للتأثير على التطورات الخارجية والداخلية، استناد إلى القدرة الفاتيكانية على فتح قنوات خارجية قابلة للتأسيس لمؤتمر دولي كبير. ويتوازى مع سعي الكنيسة لاستنهاض قوى الاغتراب اللبناني القادر على لعب دور أساسي في الدول التي يتمتع فيها بوجود كبير وثقيل.