كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
تدهور الاقتصاد، تدحرج بشكل سريع، بات الترقّب سيّد اللحظات، ما الآتي؟ وأي أزمة ستقفز الى الواجهة؟ لم يعد هناك شيء يشغل البال سوى تأمين بنزين ومأكل ودواء، فالأخير بات العثور عليه أشبه بالمعجزة، معظم الصيدليات فقدت مخزونها، حتى بات العثور على دواء يتطلب إنشاء غروبات وشبكات عابرة للقرى اللبنانية، فالموجوع لا شيء يسكِّن آلامه سوى دواء يحتكره تجار السوق، بانتظار رفع الدعم..
تتوالى الأزمات على المواطن، وجديدها أزمة تأمين المياه الى المنازل عبر الصهاريج. ففي ظل تقنين المياه التي تشهدها قرى النبطية، وزادت حدّتها بسبب فقدان مادة المازوت، وعدم قدرة محطات الضخّ والآبار على تلبية حاجات القرى، بات اللجوء الى أصحاب الصهاريج أمراً واقعاً. منذ عدّة سنوات تنشط تجارة المياه، فالأخيرة أفرزتها أزمة تقنين المياه التي تشهدها القرى مع بداية شهر ايار، وشهدت إزدهاراً كبيراً، مثلها مثل اشتراك الكهرباء الذي جاء ليسدّ عجز مصلحة المياه عن تأمين المياه بشكل مستمرّ من دون تقنين. غير ان صرخة أصحاب الصهاريج خرجت للعلن، فهؤلاء يعجزون عن تأمين مادتي المازوت والبنزين لصهاريجهم ومولداتهم، في خضمّ شحّ المادة في منطقة النبطية، فالمحطات ترفض تزويدهم بالغالونات بناء لقرار محافظ النبطية بالتكليف القاضي بحصول المواطن على تصريح من البلدية يحدّد وجهة استعمال البنزين المعبّأ بالغالون، الا ان المحطات ترفض تزويدهم خشية بيعهم المادة في السوق السوداء، غير آبهين بحاجتهم لها لتأمين المياه للمنازل، ما يضاعف الأزمة، ويجد المواطن نفسه أمام أزمة جديدة، وهي صعوبة حصوله على المياه عبر الصهاريج، ما يعني “بحّ مياه”.
منذ سنوات وعلي يعمل على صهريج المياه، وجد في الامر فرصة عمله، حقّق اموالاً وفيرة طيلة تلك السنوات، غير ان هذا العام تمنّى العزوف عن عمله. يقول الشاب الثلاثيني: “إنّنا عاجزون عن تلبية حاجات الناس، بات صعباً علينا الحصول على البنزين والمازوت، وحين نضطرّ نشتري الغالون بـ 60 الفاً وهناك من يبيعه بـ 70 الف ليرة لبنانية، هذا عدا عن رفع اصحاب الآبار سعر الصهريج الى 20 الف ليرة، كل ذلك وما زالت نقلة المياه بـ 35 الف ليرة”. وِفق قوله فإن “المصلحة اليوم بتخسّر، إذا تعطّل شيء داخل الصهريج تقع المصيبة، القطع بالدولار ونتقاضى ثمن النقلة بالليرة، ونشتري البنزين بالسوق السوداء، فكيف سنصمد”؟ ويجزم علي بأنه لن يعمل ما لم يتوفر له البنزين.
وقرّر حسين الذي يعمل على خط زبدين – تول التوقّف عن توزيع المياه للمنازل، والسبب “مش مضطرّ اشتري بنزين من السوق السوداء”، يأسف الى ما آلت اليه الأحوال، ويرى “أننا متّجهون نحو الاسوأ، ففي ظلّ شحّ مادتي البنزين والمازوت في منطقة النبطية وإقفال 98% من محطاتها قد نجد صعوبة في العمل، وهنا الكارثة”، ويرى أن تقنين المياه ارتفع بسبب فقدان مادة المازوت للمولدات، ما يعني ازدياد الطلب على الصهاريج، غير ان الأخيرة عاجزة عن التلبية.
أكثر من ساعتين انتظرت عبير وصول الصهريج لملء خزان المياه، لا يوجد نقطة مياه لديها، منذ أسبوع ومياه الشركة مقطوعة، تؤكد أنها اتصلت مراراً وتكراراً بصاحب الصهريج غير أنّ جوابه كان “مش عم لاقي بنزين”، جواب سقط كالصاعقة على عبير، كيف ستتدبر أمرها، وما ستكون عليه الحال ان استمر الامر على هذا المنوال؟”.
ليست عبير وحدها التي تخشى فقدان المياه من منزلها، فالخوف دبّ في كل المنازل، وأعاد المشهد الى أذهانهم أزمة مياه التسعينات حين كانوا يضطرون لنقل المياه بالغالونات من الآبار الى منازلهم، ويضطرون لاستعمالها لأكثر من وجهة. أم محمد واحدة من السيدات اللواتي كنّا ينقلن المياه على الحمار في تلك الفترة، جلّ ما تخشاه أن يتكرر السيناريو، ما زالت في صدمة لم تستوعب أن الازمات اغرقت الناس حتى الرأس، تتخوف من تكرار سيناريو طوابير البنزين على الآبار، والحصول على غالون المياه بالتقنين. تحمّل السيدة الخمسينية مسؤولية تدهور الحال الى السلطة السياسية وتجار الأزمة الذين يحققون أموالاً طائلة على حساب الناس.
إزاء تفاقم الازمات يطالب الناس البلديات والجهات المعنية بالتدخّل والعمل على صرف أموال لتأمين المحروقات كي لا تنزلق الازمة الى ما لا تحمد عقباه، فالناس لم يعد بمقدورهم تحمّل مزيد من الأعباء.