كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ليس بمقدور أي فريق مشارك في السلطة أن يجزم بقرب ولادة حكومة سعد الحريري. احتمال اعتذار رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري بات يتقدم على غيره من السيناريوات. العوائق كثيرة، لكنّ جميعها ذات طابع محلي، كما يؤكد أحد المشاركين في الطبخة الحكومية. يجزم بأنّ ثمة ضغطاً دولياً غير مسبوق للدفع باتجاه التأليف، بسبب خشية الدول المعنية، وصاحبة المصالح في لبنان، من الغرق في مستنقع الفوضى.
وفق المشاركين، فإنّ الأيام الأخيرة أظهرت تبدّلاً نوعياً في مقاربة الدول المعنية بالملف اللبناني، ازاء المسألة الحكومية، من باب التشجيع والعمل على نزع العوائق أمام دخول الحريري السراي الحكومي. ولكنّ هذه المحاولات لا تزال تصطدم بأجندات القوى الأساسية، وتحديداً الفريقين العوني والمستقبلي.
يؤكد هؤلاء المشاركون، وهم من قوى الثامن من آذار، أنّ الدول الغربية رفعت من منسوب اهتمامها بالوضع الداخلي من خلال الدفع باتجاه لجم الانهيار لكونها مقتنعة أنّ عامل الوقت لم يعد لصالحها. يشير هؤلاء إلى أنّ التحولات الاقليمية والدولية المتحركة على وقع المفاوضات الإيرانية – الأميركية، والإيرانية – السعودية، ستدفع الفريق الغربي إلى مزيد من التراجعات على أكثر من ساحة، ومنها لبنان. ولهذا بات هؤلاء يستعجلون تأليف حكومة تلتزم الأجندة الدولية الإصلاحية للجم الفوضى والشروع في التحضيرات للانتخابات النيابية التي يعمل عليها هذا الفريق، لتكون مرحلة انتقالية يُراد منها نقل الأغلبية النيابية من ضفّة إلى أخرى.
ويرى هؤلاء المشاركون أنّ الدول الغربية، ومنها باريس تمارس كل ضغوطها لتسريع وتيرة التأليف لاقتناعها أنّ سيناريو التفاهم بين واشنطن وطهران قد لا يترك لها مطرحاً في لبنان. وعليه تبحث عن أطر انقاذية بديلة عن الحكومة ليكون لها موطئ قدم في لبنان بموازاة حرصها على وقف الانهيار الذي بات، بالنسبة للأوروبيين كما الأميركيين، خطاً أحمر لا يجوز تخطيه.
ولعل هذا السيناريو هو الذي يدفع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى وضع يديه في ماء بارد، معوّلاً على التطورات المرتقبة إقليمياً ليكون جزءاً من أي تسوية أو تفاهم خارجي يفترض أن يشمل لبنان. ولو أنّ الثنائي الشيعي شمّر خلال الفترة الأخيرة عن ساعديه لنزع الألغام التي تعترض طريق بعبدا – بيت الوسط.
يشير هؤلاء إلى أنّ “حزب الله” الذي يدرك جيداً أن التفاهم الأميركي- الإيراني سيوسّع هامش حضوره لبنانياً، لكنه يعرف أيضاً أنّ الوضع الداخلي لا يحتمل وضعه في ثلاجة انتظار نتائج المفاوضات، وثمة مصلحة هامة في قيام حكومة إنقاذية تلجم الانهيار وتفتح باب المساعدات.
يؤكد هؤلاء أنّ “حزب الله” وعلى الرغم من الشروط الموضوعة على الحكومة، سواء على مستوى تركيبتها أو برنامج عملها، والتي قد تظهر الحزب بمظهر الخاسر المضطر لتقديم تنازلات، لكنه في الجوهر صاحب مصلحة في لجم الفوضى التي قد تعفي بيئته وجمهوره، والشروع في سلّة الاصلاحات التي اصطدم بسببها مع حلفائه أكثر من مرة.
وهو مقتنع أنّ عمر هذه الحكومة محدود كونها ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال مع إقفال صناديق الاقتراع النيابية، وبالتالي لا خشية من أي اشتباك سياسي قد تقوده هذه الحكومة، خصوصاً وأنّ كل المؤشرات تدل على أن الدول الغربية المهتمة في لبنان تؤجل مواجهتها السياسية إلى ما بعد الانتخابات النيايبة، وفي بالها أنّ هذا الاستحقاق سيقلب الأغلبية من ضفّة إلى أخرى.
ولكن مقابل “الغنج” الذي يمارسه جبران باسيل، كما أثبتته وقائع الاجتماع الأخير الذي جمعه بـ”الخليلين” حيث تمّ التفاهم على كل الحقائب تقريباً، لينهي رئيس “التيار الوطني الحر” كلامه بالتلويح بعدم منحه الثقة للحكومة… ثمة غنج من نوع آخر يمارسه الحريري أيضاً.
وفق المطلعين على المشاورات، لا يزال رئيس الحكومة المكلف متردداً، ويبدو أنّه يخشى من الاقدام على خطوة التأليف، ولو أنّ السعودية أبدت ليونة في موقفها تجاه رئيس “تيار المستقبل”، كما أظهره الاجتماع الثلاثي السعودي- الإيراني- العراقي الذي استضافته بغداد، حيث أعرب السعوديون عن عدم ممانعتهم لترؤس الحريري الحكومة وذلك بعد تشجيع من العراقيين، ولكن في المقابل، لا وعود أبداً بالمساعدة المالية. ولعلّ هذا السبب، هو الذي يجعل الحريري غير متحمس لدخول السراي اذا لم يكن متأكداً أنّ حكومته ستكون مغطاة مالياً بشكل يسمح له بخوض معركته الانتخابية مرتاح البال، و”الجيبة”. ولذا يفضل خوضها من مقاعد المعارضة اذا لم تتقدم السعودية من مربع عدم الممانعة إلى مربع الدعم. وهو سيناريو لا يزال صعباً…