كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
الجميع دون إستثناء مرّ بتجربة «الكابوس»، خصوصاً في الآونة الأخيرة، حيث يعيش اللبناني كوابيس حياته اليومية وكوابيس صحته والإنغلاق الإجتماعي الذي كان ضرورياً. والكابوس هو من التجارب السيئة التي يعيشها الإنسان في أفضل وأكثر الأماكن إسترخاءً وهو السرير. ويمكن أن يتحوّل الحلم المزعج إلى قلق ليلي عندما يصبح متكرّراً. والجدير بالذكر أنّ هناك الكثير من الحالمين، لا يتذكرون كوابيسهم، بل يستيقظون من نومهم، منزعجين، مع ظهور بعض الإضطرابات النفس-جسدية، مثل إنقطاع التنفس، طرقات القلب السريعة، التعرق… ويظل هذا الشخص منزعجاً ومترقباً هذا الكابوس في الليلة التالية، بالرغم من إنّه لا يتذكر المواقف المزعجة التي عايشها في الكابوس. فما هي الأحلام المزعجة؟ وهل معانيها مرتبطة بحياة الإنسان؟
خلال مرحلة النوم، يقضي الإنسان ما بين 15 إلى 25% من الوقت وهو يحلم. وتحمل جميع الأحلام معاني تحليلية ترتبط بشكل وثيق بحياة الإنسان. فالحلم هو نشاط عقلي كما هو مرحلة أساسية من مراحل النوم، حيث نشاط المخ لا يتوقف عن العمل، بل يستمر بتحليل وإستيعاب كل المؤثرات الخارجية. فلا يمكن الاعتبار بأنّ المخ يكون في حالة فقدان للوعي أو غيبوبة، بل يكون نشيطاً. ولكن خلال النوم، لا يمكن أن تتوقف الأصوات أو الأضواء أو حتى الآلام الجسدية، لذا يتمّ تحويل هذه الأمور إلى أحلام مزعجة، نسمّيها بالكوابيس. فيقوم الكابوس بتحويل الأشياء المؤلمة أو المزعجة أو المثيرة بشكل قوي أو حتى المخيفة من العالم الخارجي إلى صور تكون لها علاقة مباشرة بحياة الإنسان.
كيف يتكوّن الحلم – الكابوس؟
خلال بداية النوم، يمر النائم بأربع إلى ست دورات من النوم وصولاً إلى النوم العميق (المرحلة الثالثة والرابعة) حتى يصل إلى المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة الأحلام، أي بعد ساعة أو ساعة ونصف من نومه. وتتميز هذه المرحلة بحركة العينين السريعة، حيث تتحرّك العينان حركة أفقية سريعة ومنتظمة أثناء النوم، وتُلاحظ بكثرة لدى حديثي الولادة، وتُعرف هذه المرحلة بمرحلة الأحلام، حيث تحدث أكثر الأحلام خلال هذه المرحلة.
ولكن، لِمَ نحلم في أكثر الأوقات صباحاً، قبل إستيقاظنا من النوم؟ ربما هذا السؤال تطرحونه دائماً، والجواب بسيط: نسبة الأحلام الأكثر نشاطاً تكون في المراحل الأخيرة من النوم وليس في المرحلة الاولى أو الثانية. لذلك تلاحظون أنّ عند تأخّركم بالإستيقاظ صباحاً فإنّ جزءًا كبيرًا من نومكم المتأخّر يحتوي على الأحلام. ويجب الإضافة بأنّ محتوى الحلم يتفاوت ما بين أفكار وصور بسيطة وقصص مطولة يصعب التفريق بينها وبين الحقيقة. أما بالنسبة للكوابيس، فهي تظهر بسبب مشاكل أو إضطرابات نفسية أو حتى مشاكل علائقية لا تجد لها مخرجاً. فيقوم اللاوعي، بحسب التحليل النفسي، بتفسير الإضطرابات عند الإنسان من خلال تصورات لها بُعدها الرمزي. كما هناك أسباب أخرى يمكن أن تكون وراء ظهور الكوابيس.
لمَ الكابوس مزعج؟
أظهرت الأبحاث أنّ محتوى الكوابيس يتأثر بعمر الإنسان وجنسه والبيئة التي يعيش فيها. ولكن لم تستطع هذه الابحاث تأكيد أدلة صارمة وأكيدة عن المحتوى النوعي للكوابيس. فيمكن أن يكون محتوى كابوس طفلاً جائعاً، عدم وجود الطعام، أو وجود أشخاص يأكلون أما هو فلا. فالكوابيس، وبحسب التحليل النفسي، تساعد في إظهار العواطف الضارة أو تعكس التجارب اليومية التي مرّ بها الإنسان، وكانت هذه التجارب مؤلمة له وأثّرت فيه تأثيراً قوياً.
وتفسير الكوابيس؟
لطالما كان الحلم سراً فسّرته المجتمعات القديمة منها المصرية واليونانية، حيث اعتبرت أنّ الحلم هو نوع من رسالة إلهية للفرد. ولكن بعدما تقدّم العلم، تمّ تفسير «الحلم» بطريقة علمية في مختبرات علم النفس. أما بالنسبة للكابوس، فيُعتبر أحداثاً سابقة عاشها الإنسان وسببت له الألم. وكالأحلام، تبدو بعض الكوابيس كإستمرارية في التفكير في بعض المشكلات الهامة أو بعض المواضيع العالقة وتشغل بال الحالم.
هناك نوع آخر من الأحلام وتفسيراته، حيث اعتبر «فرويد»، أب التحليل النفسي، أنّ الأحلام ليست سوى «وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة»، ويمكن أن تتحوّل إلى كوابيس، لذا نرى أنّ في بعض أحلامنا، تتحقق رغباتنا خصوصاً الرغبات التي يصعب جداً تحقيقها. وقام هذا العالِم بالكثير من التحليلات حول «الحلم» وأهميته في حياة الإنسان، وكتب كتابًا مهماً جداً لا يزال يُقرأ ويُدرّس في جامعات العالم. وهذا الكتاب يحمل عنوان: «تفسير الأحلام» (1899) حيث وصل إلى إستنتاج بأنّ الأحلام هي نوع من الصراع النفسي بين الرغبات اللاشعورية المكبوتة والمقاومة النفسية، التي تسعى الى كبت هذه الرغبات اللاشعورية، فيأتي الحلم كحل وسط وكوسيلة توفيق بين هذه الرغبات المتصارعة.
كما تمّ «تشريح» الحلم الذي يتألف من: صورة ظاهرة، وهي الحلم بحدّ ذاته أي «الشاهد» و»الصور» و»الرموز» التي نراها في الحلم، والتي نتذكرها بعد الاستيقاظ من النوم، وصورة الرموز غير مفهومة، والتي تتألف من الدوافع والرغبات اللاشعورية عند الإنسان، والتي ظهرت في الحلم.
وفي كتابه الشهير، وضع فرويد تفسيرات لمجموعة من الرموز يُستعان بها لفهم الحلم. ولاحظ أنّه خلال الحلم، تضعف رقابة العقل، لذا في بعض الأحيان، يتخطّى حلمنا القوانين والأعراف، فقط لإدراج المشاعر والاحاسيس اللاواعية فينا، والتي تُترجم في مكونات الحلم (شخصيات وحيوانات وأشياء ورموز). كما يضيف الطبيب النفسي والمحلل النفسي كارل يونغ، أنّ الأحلام هي حلول لمشكلات الشخص، في محاولةٍ لإعادة التوازن النفسي إلى الشخصية.
وأخيراً، إنّ أغلب الكوابيس التي ترافقنا والتي لا نفهم معناها، إنما هي نوع من الأحلام المحرّفة ومن صنع اللاوعي، والتي تردّ على خوف معين نعايشه. فمن الطبيعي، خلال هذه الفترة أن تكون كوابيسنا تدور حول طريقة عيشنا والإهتمام بالعائلة والخوف من الموت… وهذه الكوابيس ستكون مبنية على رموز حقيقية عاشها اللبناني أو يعيشها بطريقة واعية أو لاواعية. وفي هذا المضمار، يحاول المحلّل النفسي كشف وفهم هذه الرموز، ليساعد الشخص في إستيعاب أحلامه ومعرفة حقيقة الدوافع النفسية التي تؤثر فيه.