كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يبدي الفاتيكان قلقاً عميقاً على هجرة المسيحيين والتدهور الاقتصادي والمالي في لبنان وحالة التخبط التي يعانيها وهو يعتبر ان تأخر الحل سيقود لبنان اكثر فأكثر نحو الانهيار. منذ فترة تتحرك دوائر الفاتيكان باتجاه الدول الاوروبية طلباً لنجدة لبنان الذي يشكل نموذجاً للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، يريده الفاتيكان ان يستمر كحافز لاستمرار المسيحيين في الشرق.
في ظل استنفاد المساعي السياسية وبعدما غيّرت دول القرار وجهتها عن لبنان لم يعد امامه الا الصلاة. تماماً كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة فلا يجد الا الاستغاثة الإلهية مستبقاً الصلاة لراحة نفسه.
كذا نحن صرنا في لبنان، عيننا على الفاتيكان ونتفاءل بوعد أطلقة قبل أسابيع البابا فرنسيس لزيارتنا، من دون أن يحدّد موعداً. مجرد الاعلان شكّل لفتة مهمة من الفاتيكان باتجاه لبنان، بعدها بأيام أعلن عزمه على الاجتماع بزعماء الطوائف المسيحية في لبنان “ليوم واحد للتفكير في الوضع المقلق في البلاد وللصلاة معاً من اجل السلام والاستقرار”.
صحيح ان المؤتمر هو من اجل لبنان انما اهتمام الفاتيكان ليس محصوراً بمؤتمر وهو دائم الاهتمام بهذا البلد رغم أهمية توقيت الانعقاد ودلالات المؤتمر، بناء على قول مصادر فاتيكانية أكدت ان الفاتيكان لم يوقف اتصالاته مع دول اوروبية من اجل لبنان، بالاضافة الى تحرك الكنائس الكاثوليكية في العالم “كي نكون الى جانب لبنان وقضاياه ولكن هناك مسؤولية على اللبنانيين لتغليب لغة الحوار والتقريب في ما بينهم. يجب ان يساعد اللبنانيون انفسهم بقدر ما يمكن للغير مساعدتهم ومساعي الفاتيكان لن تتوقف بأي شكل من الاشكال”.
ويتضمن المؤتمر الذي سيعلن برنامجه عما قريب صلاة في بازيليك مار بطرس، ثم طاولة مستديرة يرأسها البابا بحضور البطاركة ممثلي الطوائف المسيحية، ثم يتوجه البابا بكلمة الى اللبنانيين والعالم حول الوضع في لبنان والمنطقة، تليها كلمة لكل بطريرك من بطاركة الكنيسة لاستعراض الوضع في المنطقة عموماً وفي لبنان على وجه الخصوص ويتم تبادل الآراء والنقاشات، ومن بعدها ستقام صلاة يحضرها جمهور بمشاركة العديد من الكهنة اللبنانيين والشرقيين الكاثوليك في روما وطوائف مختلفة.
وتقول مصادر كنسية ان هذا المؤتمر ستكون له مفاعيل ايجابية ومعنوية على وضع لبنان ويعزز شعور اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، بأنهم غير متروكين لقدرهم يتخبطون في أزمتهم. وتعتبر ان المؤتمر سيكون بمثابة منصة ينطلق منها الفاتيكان للتحرك الدولي والاقليمي والحث على مساعدة لبنان، خصوصاً في دوائر القرار الغربي في اميركا واوروبا. وتتوقف المصادر ملياً عند العريضة التي وقعها عدد من اعضاء مجلس النواب الاميركي ومجلس الشيوخ طلباً للاهتمام بلبنان ومساعدة الجيش، وغالبيتهم من الكاثوليك مدعومين من مجلس الاساقفة الكاثوليك في اميركا.
وتعدد المصادر الفاتيكانية أهداف المؤتمر والحركة التي يقوم بها الفاتيكان تجاه لبنان والتي تتركز حول:
– إنقاذ لبنان ككل، والإصرار على ان يشكل هذا البلد صيغة متقدمة لضمان التفاعل الحضاري والتعايش بين الاديان وأن الفرصة لا تزال سانحة لإنقاذه.
– ابقاء المسيحيين في الشرق عموماً وفي لبنان خصوصاً وتوفير أسباب صمودهم الاقتصادي والمعنوي في اطار التزام الكنيسة بمساعدة البلدان على الصمود والاستمرارية.
لا ينفي الفاتيكان قلقه لما آلت اليه التطورات في لبنان، وتنقل المصادر الفاتيكانية عدم سروره لا بل استياءه مما شهده هذا البلد مؤخراً من سجالات سياسية وتدهور اقتصادي يقلق اللبنانيين عموما والمسيحيين على وجه الخصوص. ويتطلع الفاتيكان الى اقصى درجات التعاون الاسلامي المسيحي في لبنان نائياً بنفسه عن الدخول في دهاليز السياسة الداخلية او الوقوف الى جانب طرف دون آخر، ويعتبر ان للمسيحيين مكانة في لبنان وحضوراً يشكل مصدر طمأنينة للمسيحيين في المنطقة مفترض الحفاظ عليه وعدم العبث به والا ينتهي دور المسيحيين في الشرق. وضمن هذا الاطار يقع دفاعهم عن موقع الرئاسة الاولى من دون ان يكون المقصود دعم شخصية بعينها، بل مقاربة الموضوع من زاوية اكبر مع حضهم على العلاقة مع كل الافرقاء.