كتب جيلبير متري في “نداء الوطن”:
مع بلوغ الأزمة المالية ذروتها، وعلى وقع الإجراءات الصارمة التي اتخذتها المصارف بحق عملائها في ظلّ شدّ الخناق على المودع، قام آلافٌ من اللبنانيين بأوسع عملية بيع وشراء في القطاع العقاري، بغية “تهريب” أموالهم المحتجزة في المصارف واستثمارها في عقار.
على الرغم من نهوض هذا القطاع في الفترة الأخيرة وانتعاشه، يبقى السؤال: هل الاستتثمار في العقار ملاذٌ آمن أم “فخ”؟ هل استنزاف السيولة النّقدية وإنفاق المدخرات لشراء عقار خيار صائب؟ من هو الطّرف المستفيد من عمليّة بيع العقارات وشرائها؟ المودع؟ المصرف؟ أم البائع؟ كيفَ يُمكن تجنّب الخسارة في استثمار العقارات؟
في الماضي، كانَ القطاع المصرفي الملاذ الآمن للمواطنين لإيداع أموالهم، التي سرعانَ ما تحوّلت إلى رقمٍ على الشاشة، فلجأ البعض إلى القطاع العقاري “لتهريب” ما يمكن الإستفادة منه من المصارف، فعمدت الأخيرة بدورها إلى تسديد تلك الودائع بشيك مصرفي، بات يشكّل 23% من قيمته الفعلية، وفي المقابل، صارَ المودع يخسر 77% من مدخراته.
حجم العقارات على لائحة الأولويّات
يؤكد مدير عام شركة “century 21 lebanon”، أحمد الخطيب، أنّ من اشترى عقارا هو رابحٌ خصوصاً مع بداية الأزمة وهو حافظ بذلك على قيمة أمواله، ولكن على وقع تفاقُم الأزمات الماليّة والاقتصاديّة في لُبنان وطَلَب أصحاب العقارات مبالغَ “خياليّة” مُقابل أي عقار، يُمكن القول إنّ خيارَ اللجوء إلى القطاع العقاريّ لتهريب الأموال، لم يعُد خياراً مُناسباً في سنة 2021.
بحسب الخطيب، يتمتَّع لبنان بمقوّماتٍ اقتصاديَّة كبيرة وإلا، لكان انهار منذ سنين، ومن اشترى عقاراتٍ عبر قروض مصرفية كان مستفيداً نظراً لأن القرض يُسدَّد بالليرة اللبنانية، ومن استحوذ على عقار ما، حافظ على أمواله، إن أحسنَ الاختيار.
وينصح الخطيب، في حديث لـ”نداء الوطن”، بالابتعاد عن “السماسرة العقاريين غير القانونيين” وعمَّن يطلب ثمن العقار 4 أضعاف عن قيمته الفعلية، واللجوء الى استشاريين متخصصينَ بأعمال الوساطة العقارية وإلى شركات عقارية لها تاريخ كبير كي لا يقع الشاري في المحظور.
ويرى الخطيب أنَّ شراء عقارٍ صغير قرارٌ صائب في هذه المرحلة وهُو بالتالي “يحمي” الشّاري، خصوصاً أنَّهُ قد يُعوِّض جُزءًا من قيمة الأموال المدفوعة عبر شيك مصرفيّ في حال تقرّر عرض العقار للبيع، أو حتّى الاستفادة منه عن طريق الإيجار عند انتعاش السّوق وانتهاء الأزمات، فتكونُ الخسارة أخفّ وطئًا على المُستَثمر.
أما بالنّسبة إلى من اختارَ شراء العقارات الكبيرة، فيعتبرُ الخطيب، أنّه يكون قد أخضع نفسَه لِـ” haircut”، وهو بالتالي لن يتحمَّل تكاليف هذه العقارات ومصاريفها، وسيكون عرضُها للإيجار أو للبيع صعباً جدًّا نظراً لثمنها الباهظ، وقد يُضطرّ الشّاري الى بيعها بقيمةٍ مُتدنية.
ويُعطي الخطيب الأولوية لشراء الأراضي وليس للشقق السّكنيّة، فالأراضي لا تترتب عليها تكاليف مالية وبالتالي الإستثمار على المدى المتوسط والبعيد يكون رابحاً، وقطعة الأرض ليست بحاجة لتسويق كغيرها من العقارات.
أما بالنسبة إلى الأسعار، فيلفت الخطيب إلى أنَّ ما بين عامَي 2011 و2019 حصل تصحيحٌ للأسعار وكان هناك أكثر من 60000 شقة معروضة للبيع، واذا أعدناها إلى السوق جميعها، فلن تخفّض الأسعار بالشكل الذي “يحلم” به البعض، اللبناني المغترب أكثر من المقيم، وبالتالي من يدفع الدولار يشتري بالسعر الحقيقي ولكنني لا أرى أي إنهيار للقطاع العقاري كما يحلل آخرون.
العقار VS الذّهب
ويشرح أستاذ استراتيجيات الاستثمار في الأسواق العقارية في الجامعة اللبنانية الأميركية جهاد الحكيّم لـ”نداء الوطن”، ان العقار ليس دائما استثمارًا ذكيًا في لبنان كما هو رائج إنما يعتمد على التوقيت المناسب ، “نصحنا في السابق تنويع المحفظة المالية منذ مطلع سنة 2019. وفي بداية الأزمة المصرفية أي أواخر 2019 نصحنا المواطنين بالاستثمار في الذهب أو العملات الأجنبية والابتعاد عن العقارات لكن أحدًا لم يسمع”.
ويقول الحكيم: “غالبية الناس خسرت مرتين او ثلاث مرات ثمن أموالها في المصارف، فمن كان يملك 200000$ في المصرف على سبيل المثال، واشترى بها شقة أصبحت تساوي أقل من ثلث قيمتها والوضع ذاهب ألى مزيد من التفاقم، وبالتالي حتى إيجار هذه الشقة لا يردّ له جزءًا من الخسارة، اذا ما وجد لها مستأجرًا، بل كان بإمكانه صرف هذا الشيك وتحويله الى دولارات او شراء الذهب”، بالأرقام يمكن القول أن الشقة التي كانت تباع بـ200000 دولار بات سعرها اليوم بالعملة الحقيقية حوالى 50000 أو 60000 دولار. وبات من يملك “fresh money”، قادر على شراء 3 أو 4 شقق بسعر الواحدة.
بحسب الحكيّم، فإن الذهب والدولار يبقيان على قيمتهما الفعلية بعكس العقارات، لأنَّ قيمة الأخيرة تتغير بحسب متغيرات السوق وحاجة المواطن، ويتوقع الحكيّم ان يصبح العقار مقابل الطعام والدواء في الفترة المقبلة. فأزمةُ انقطاع الأدوية التي بدأت تلوح في الأفق، والشحّ في تأمين المستلزمات الطّبيّة، قد يدفعانِ المواطن اللبنانيّ إلى تأمين الدّولار بأي وسيلة كانت، بهدف شراء ما يحتاجه من الخارج.
ويُتابع الحكيّم شارحاً أنَّ “ما كان يشكّل دفعةً أولى لشراء الشقة أصبح اليوم سعرها الكامل”، وأنّ السعر الأدنى للعقار هو الّذي يحدّد قيمته وليسَ سعره الأغلى.
ويؤكد أن العامل في لبنان لم يعد يكفيه الراتب لسدّ حاجاته ولتأمين متطلّبات الحياة اليوميّة، والهجرة الجماعية للشباب اللبناني الذي لم يعد يفكّر بالزواج وشراء منزل في لبنان، عامل جديد يُضاف إلى سلسلة المشاكل اللّبنانيّة وقد يؤثر على سوق العرض والطلب، وهو بالتالي، مُؤشرٌ جديد لخفضِ سعر العقارات وقيمتها.
الأزمة طويلة
وختم: “من ضحك على الناس وأوهمهم بالاستثمار في العقارات؟ المشكلة أن اللبناني يجهل طريقة إدارة أمواله ومدخراته، فلماذا لم يستثمر في الذهب مثلًا؟ لماذا قرّر اللجوء إلى القطاع العقاريّ الذي فقد اليوم 75% من قيمته؟ وبالتالي أصبح الجدال القائم: “هل ستنخفض العقارات الى السدس أم أكثر في الأشهر المقبلة؟”.
من هنا يبدو أن ازمة العقار مرشَّحة للاستمرار حتى العام 2025 بأقل تقدير حتى ولو حصل انفراجٌ سياسيّ لارتباطها بأزمة المصارف وانعدام الثقة بالمنظومة القائمة. والخوف يبقى من تداعيات هذا الواقع المرير على حُسن سَير القطاعات الإنتاجيّة في لبنان من جهة، وعلى عزل لبنان ماليّاً واقتصادياً على صعيدٍ دوليّ. أمّا الخطر الأكبر فيكمُن في ردّ لبنان عشرات السنوات إلى الوراء وتبنّي شعار المرحلة المقبلة من دون أي تحرّك فعليّ لحماية المواطن اللبنانيّ… “الدواء أوِ الطّعام مُقابل عقار”.