كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:
يقف لبنان أمام منعطفٍ قد يكون الأخطر منذ تَداعي واقعه المالي والاقتصادي في ضوء وقائع مخيفة تشي بأن التدحْرُجَ المتوالي للانهيار المروّع يوشك أن يتشابك مع العصف الأقوى لأزمة تأليف الحكومة الذي سيشكّله اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري الذي بات بمثابة قرارٍ اتُخِذ مع «وقف التنفيذ» لأيامٍ لا تتجاوز الأسبوع أو ساعات قد لا تتعدى الـ 48، ما لم يطرأ ما يقْلب هذا الاتجاه ويمدّد تأخير السير بهذا الخيار المتعدّد البُعد والذي تترتّب عليه نتائج على أكثر من صعيد داخلي وخارجي.
هذه الأجواء التي تفتح البلاد على أشدّ السيناريوهات قتامةً، قبضت على بيروت في يومٍ استعاد معه الملف الحكومي واجهةَ الأحداث من دون أن يحجب «هديرَ» الانفجار المعيشي – الاجتماعي الذي بات «الخطر رقم» واحد على أجندة المجتمع الدولي الذي يواكب بقلقٍ بالغٍ غرقَ لبنان في مستنقع داخلي – اقليمي ولم يَعُد يُخْفي «يأسه» من حصول «يقظة» لدى الطبقة السياسية تنتشل البلاد من فم المجهول المعلوم، محاوِلاً في الوقت نفسه تجنيب الشعب اللبناني «الموتَ البطيء» الذي يعانيه وذلك عبر صون «الأمن الغذائي والاجتماعي» الذي اقترب من «الخط الأحمر».
وفي حين عبّر عن هذا الاتجاه كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أنه يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية، فإن حضورَ هذا العنوان ومجمل واقع «بلاد الأرز» في لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن – ماكرون على هامش قمة مجموعة السبعة الاقتصادية في بريطانيا عَكَسَ أن مساراً خارجياً جدياً انطلق على هذا الصعيد بالتوازي مع «عصا العقوبات» على شخصيات سياسية واقتصادية ومصرفية الذي جرى التلويح كثيراً بتفعيله أوروبياً، وهو ما بدأت أصواتٌ تتعاطى معه على أنه مؤشَّر لِما يشبه «الوصاية المالية» الدولية على «الدولة الفاشلة» يُنتظر أن تكون له ارتداداتٌ على مستوى البُعد الإقليمي للأزمة اللبنانية والذي يتداخل مع حرب ترسيم النفوذ وتحديد الأوزان في المنطقة.
وإذ جاء إعطاء ماكرون إشارة انطلاق الإعداد لـ «آلية التمويل الدولية» قبل أقلّ من أسبوع من المؤتمر الدولي لدعم الجيش اللبناني بمواجهة التحديات المعيشية والاقتصادية وحفظ قدرته على إبقاء الأمن في البلاد ممْسوكاً، فإن وقْعَ هذه «الصافرة» الذي جاء أعلى بكثير من تأكيده أنه سيواصل الدفاع عن خريطة الطريق التي اقترحها في سبتمبر الماضي لقيام حكومة مَهمة إصلاحية، اعتُبر من أوساطٍ سياسية مطلعة رسالةً واضحة بأن الخارج أصبح «يتحوّط للأسوأ» لبنانياً في ضوء التسليم بالأفق المقفل حكومياً وبأن التعاطي مع غالبية الطبقة السياسية بات يتم على أنها «مارقة» وفق ما عبّرت عنه الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لبيروت.
وفيما كانت علامات الانسداد السياسي في الوضع اللبناني ترتسم خارجياً، شهد الداخلُ إشارةً لا تقلّ وقْعاً تمثّلت في معطياتٍ تقاطعتْ عند أن الرئيس الحريري صار أقرب من أي وقت للعب ورقة الاعتذار عن المضي في «المهمة المستحيلة» رافضاً أن يكون جزءاً من السقوط الكبير الآتي وأن يساهم في أي ممارسات يعتبرها تكريساً لعملية «القضم الممنهج» لنظام الطائف وصلاحيات رئاسة الحكومة.
وفي حين وَضَعَ الحريري المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، الذي شارك في الجلسة التي عقدها برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، ثم رؤساء الحكومة السابقين في أجواء خيار الاعتذار، فإن معلوماتٍ أشارتْ إلى أن الرئيس المكلف دخل «مرحلة تقويمٍ» في ضوء ما سمعه من مواقف غالبيتها رَفَض اعتذاره وحضّه على المضيّ في التكليف وتَفادي تقديم «هدية ثمينة» لفريق رئيس الجمهورية ميشال عون من شأنها أن تشكل صفعة لموقع رئاسة الحكومة بعدما كان هذا الفريق «الذي يتحمّل مسؤولية التعطيل» أمعن في التعبير عن رغبةٍ في «التخلص» من التكليف، في مقابل رأي آخَر دعا زعيم «المستقبل» إلى عدم التردّد وترْك «العهد» يحصد ما زرعه ويتخبّط في الانهيار و«يقلع شوكه بيديه» فلا يكون الحريري شريكاً في هذا المسار، خصوصاً أن شكل ومضمون اجتماع «الشرعي الأعلى» وما صدر عنه يجعل من الصعب على أي شخصية سنية أخرى القبول أو الحصول على الغطاء لتكليفها.
وترى الأوساط المطلعة أنه إذا صحّ أن الحريري سيتريّث في إعلان الاعتذار لمنْح فرصةٍ جديدة وأخيرة لمبادرة رئيس البرلمان نبيه بري، فإن هذه المبادرة في ذاتها صارت بمثابة «المنتهية» وفق ما عبّر عنه الاتهام المباشر والعلني من مستشار بري النائب علي حسن خليل (كان يدير المفاوضات مع رئيس «التيار الوطني الحر») لجبران باسيل بالمسؤولية عن «عرقلة الحلّ الجوهري بتشكيل الحكومة»، ناهيك عن أن تظهير المناخات «الجدية» عن اعتذار الحريري تجعل من الصعب تَصَوُّر أن يقابلها فريق عون بتراجُعٍ في الأمتار الأخيرة من سباقٍ خاضه علناً وسراً لإحراج الرئيس المكلف وإخراجه.
ومن هنا تدعو الأوساط إلى رصْد ما ستحمله الساعات المقبلة والتي ستشهد بالتأكيد اتصالات لن تغيب عنها عواصم معنية بالوضع اللبناني، متوقّفة عند سقف المواقف التي أعلنها «الشرعي الأعلى» لجهة تأكيد أنه «لا يمكن السماح بالمساس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف»، معتبراً «أي سعي الى أعراف جديدة في ما يتعلق بالدستور أو باتفاق الطائف أمر لا يمكن القبول به تحت أي حجة».
وشدد على «دعم الرئيس المكلف وصلاحياته ضمن إطار الدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني، محملاً مسؤولية التأخير بالتأليف الى من يحاول أن يبتدع طرقاً ووسائل وأساليب تلغي مضمون وثيقة الوفاق الوطني»، ومؤكداً «أهمية استمرار مفاعيل المبادرات التي قُدمت من فرنسا والرئيس بري»، وداعياً القيادات السياسية الى «العمل مع الرئيس المكلف للخروج بحكومة تنقذ لبنان».
وحذّر من أن «لبنان وطن العيش المشترك، وطن الغد الأفضل، يتحول بفضل العقلية الانغلاقية المدمرة الى عصر الجاهلية حيث الشعار(لنا الصدر دون العالمين أو القبر). ولأن المسؤولين على السلطة ليسوا من أهل الصدر، ولا يستحقونه فإنهم يحفرون قبوراً جماعية بأيديهم تضيق بالعجز والفشل والتقهقر الذي ولد على أيديهم».
وختم:«لا بد من كلمة حق في وجه سلطان جائر”.