Site icon IMLebanon

الخيارات معدومة والإنهيار مستمر

كتب أحمد الزعبي في “اللواء”:

لا جديد في المشهد السياسي الداخلي الكئيب.. تكرارٌ مملٌ للكلام الشعبوي، وسياسات التعطيل، ومشاهد الانهيار والإذلال، في وقت تضيق الخيارات، وتكبر الأزمة لدرجة باتت خيارات الإنقاذ شبه معدومة.

هل مجرّد تشكيل حكومة كافٍ لوقف الانهيار، وإذا كانت سبعة أشهر غير كافية للاتفاق على شكل الحكومة، كم تحتاج من الوقت للاتفاق على برنامجها في وقت تخرسُ المنظومة كاملة عن فضيحة الانهيار التاريخي لقيمة الليرة أمام الدولار في سوق المافيات السوداء، وهل فعلاً لا يملك حزب الله قدرة، أو أنه لا يريد، صفعَ المعرقل الحقيقي للتوقف عن استخدام رئاسة الجمهورية للتعطيل والتضليل ووضع البلد بين خياري الهيمنة أو التخريب؟ وهل اعتذار الرئيس المكلف من عدمه يساهم بالحلحلة حتى تتم مناشدته عدم السير بهذا الخيار؟ وهل تُشكّل الانتخابات النيابية، وفق موازين القوى الراهنة والقانون المسخ، كسراً لحلقة الجمود المسيطر؟

الواقع أن لا مؤشرات لحلحلة قريبة تكون مقدمة للسير باتجاه التعافي، وذلك لأسباب عديدة ومتداخلة ومعقّدة، ليس أقلّها أن التخريب الذي تسبّب به هذا العهد النحس، وراعيه المهيمن، لا يمكن إصلاحه إلا بصعوبة بالغة ومؤلمة.. وقد يكون هذا الأمر بحدّ ذاته مقصوداً. أي تشويه البلد، وتدمير مؤسساته، وتغيير نظامه ودستوره بالممارسات المليشيوية والعبثيّة وإيصاله إلى جهنم الانهيار والذلّ والعوز، وثانياً لأن المنظومة السياسية المتحكّمة ليست بريئة من كل ما يجري، بل هي شريكة كاملة في التسبّب بالانهيار والنهب وتقسيم الغنائم والأدوار، فمن أدخل مبادرة الرئيس الفرنسي الإنقاذية في زواريب الحسابات اللبنانيّة، أوصل مساعي الرئيس نبيه بري المستمدة من روحية المبادرة الفرنسية إلى الفشل، وما أحد كان يتوقع لها أن تنجح أمام جشع التعطيل عند باسيل المغطّى من قبل حزب الله، وأمام تضليل قوى المنظومة التي تسعى للظهور بمظهر المتأذّي مما يجري، وفي المستفيدة عبر كارتيلاتها المهيمنة على كل القطاعات من الكارثة وتداعياتها.

لا كلامَ يوازي حجمَ الانهيار، وعجزَ المؤسسات، وفشلَ المبادرات، وفجورَ المنظومة، وجشعَ الكارتيلات، ومشاهدَ الذلّ، وخيبة الشعب، وتفرّج العالم، من بعيد، على ما يجري في لبنان

القصة ليست ثلثاً معطلاً بل أكثر

ما خلص إليه اجتماع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الأخير مهم، وإن كان لن يغير في واقع الأمور شيئاً، خصوصاً لناحية تأكيد دعم الرئيس المكلف في مهمته ورفض اعتذاره، وعدم التهاون مع مخطّط المسّ أو الانتقاص من صلاحياته. المسألة هنا لا تتصل بسعد الحريري حصراً، هي أبعد. ذلك أنّ ما يجري لا يعني رفضَ تشكيل حكومة ممسوكة من الصهر المعاقب أميركياً بتهم الفساد، بل يؤكّد للمرة الألف رفضَ توهّم البعض أنه قادر على تغيير طبيعة النظام والدستور واتفاق الطائف بالمهاترات والشعبويات والاستقواء بالسلاح المسيطر، ثم اتخاذ ذلك ذريعة تستخدم لاحقاً لتعطيل تشكيل الحكومات أو تفخيخها بأثلاث وأرباع، وتحويل الرئيس المكلف إلى صندوق بريد.

إن ما يجري من لعبة التعطيل والاشتراطات والغنج الوقح على وقع عذابات الناس، هو لعبٌ بالنار الطائفيّة والمذهبيّة، ورمي للبنان في المجهول. نحن أمام انقلاب كامل الأوصاف ولا بدّ من مواجهته مهما كانت الأثمان. وما يزيد في خطورة الأمر، أنه وإزاء الانهيار المتفاقم ومخاطر الانزلاق نحو المجهول، ثمّة من يمنّي نفسه بقبول تشكيل حكومة له فيها لقب «دولة الرئيس» فقط، وهو مستعد للتخلي عن كل ما عداه مما كرّسه الدستور من صلاحيات ومسؤوليات لمصلحة المهيمن والجَشِع، الأول ليكرّس سيطرته ويلغي هويّة لبنان، والثاني ليبيضّ صفحته ويتفرّغ لتحقيق أحلامه وطموحاته المدمرة.

في المعلومات أن الحريري عرض أمام مفتي الجمهورية والمجلس الشرعي ما جرى ويجري على خطّ التأليف منذ اللحظة الأولى لتكليفه قبل أكثر من سبعة أشهر، وشرح تفاصيل العقبات التي اعترضته، وما زالت، وتتمثّل بإصرار جبران باسيل المتسلّح بغطاء بعبدا على تعطيل مساعي التشكيل، وهي العقبة التي واجهت لاحقاً مسعى الرئيس بري لجسر التباينات. وبحسب المعلومات فقد قال الحريري إنه طرح بداية تشكيل الحكومة من 18 وزيراً من المستقلين والاختصاصيين غير المحازبين تماشياً مع مندرجات المبادرة الفرنسية ومطالب الحراك الشعبي، ثم عاد ووافق لتذليل العقبات على أن تتشكل من 24 وزيراً، لكن باسيل وضع مزيداً من العراقيل.

وإذ أكد الحريري، وفق المعلومات، استمرار تمسكه بموقف إيجابي لكن من ضمن روحية المبادرة الفرنسية ومسعى رئيس المجلس، حذّر من أن الاستجابة لشروط باسيل تعني أن الحكومة ستولد ميتة، وعاجزة، وغير قادرة على التعامل مع الأزمات المتراكمة، أو تصحيح علاقات لبنان بالمجتمع الدولي بوصف هذا الأمر ممرا ضروريا للحصول على مساعدات مالية واقتصادية للانتقال بالبلد إلى مرحلة التعافي.

وعلم أيضاً أن لقاء المعاونين السياسيين لبري النائب علي حسن خليل وللأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل الأخير بباسيل لم يحقق أي تقدم لناحية حلحلة العقد التي تؤخر عملية التشكيل، وأن ما سُرب من أجواء إيجابية غير صحيح، بل إن باسيل تقصد تسريبها لصرف الأنظار عن السجال الذي دار بينه وبين النائب خليل على مرأى من حسين خليل ووفيق صفا بهدف تحييد الثنائي الشيعي عن الخلافات حول تشكيل الحكومة، وحصرها بالرئيس المكلف. وهذا التذاكي هو ما دفع الثنائي، نزولاً عند رغبة بري، إلى إصدار بيان يرد فيه التهمة إلى باسيل، ويقول إن الأخير بادر وهو يودع الخليلين وصفا إلى القول بأنه لن يشارك في الحكومة، وبالتالي لن يمنحها الثقة، وأنه على استعداد للتواصل مع عون لإقناعه بالتوقيع على التشكيلة الوزارية، في حال أنها حظيت بموافقته. وهنا، قال خليل لباسيل: كيف تصرّ على أن تكون حصة عون 8 وزراء، فيما ترفض المشاركة في الحكومة، وتمتنع عن منحها الثقة، علماً بأن هذا الأمر لا يوافق عليه الحريري..

البدائل الناقصة والتطوّر الخارجي

في الخلاصة ستستمر قصة إبريق زيت الأخذ والردّ، والشروط والشروط المضادة على ما تبقى من جثّة البلد، طالما لم يقتنع حزب الله بأنه كما أخطأ بخياره الرئاسي في العام 2016، يخطئ بتغطية باسيل ولو على حساب تدمير البلد هذا أولاً، وثانياً طالما أن هناك أطرافاً سياسيّة تراهن على الذهاب نحو إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون المسخ الذي أجريت على أساسه في العام 2018، لتحقيق بعض المكاسب الخاصة دعماً لطموحات رئاسية، وهذا خيار ناقص لأن القانون سيئ السمعة سيعيد إنتاج خطاب عنصري، وقد يفلح بإعادة إنتاج الحرب الأهلية وهذا ليس مبالغة أبداً.

أما ثالثاً فلأن الثورة تائهة بين الشعب المتعب والمنهك والموجوع، وبين خارجٍ يدعم، بعلم أو بدون علم، إعادة إنعاش المنظومة لنفسها، وهو لا يريد، أو لا يعتبر، أن أوان استخدام العصا الغليظة بوجه المتسببين بخراب لبنان قد حان صوناً لما تبقى من هذا البلد.. وكل ذلك يوصل لحقيقة أن الخيارات شبه معدومة راهناً بانتظار تطوّر خارجي ما، يؤمل أن يكون قريباً، يعيد خلط الأوراق.

الواقع أن لا كلامَ أو توصيفَ يوازي حجمَ الانهيار، وعجزَ المؤسسات، وفشلَ المبادرات، وفجورَ المنظومة، وجشعَ الكارتيلات، ومشاهدَ الذلّ، وخيبة الشعب… وتفرّج العالم، من بعيد، على ما يجري في لبنان ما بين مُتحَسّرٍ، وشامتٍ، ومنتظر،ٍ ومُساوم!!