Site icon IMLebanon

أميركا تقدّم لبنان لـ “حزب الله” على “طبَق من ذهب”

 

عندما وقف وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وقال للسيناتور الديموقراطي جيني شاهين، إن واشنطن موّلت لبنان بما قيمته 10 مليارات دولار ضمن حملة «الضغط الأقصى» على «حزب الله» و«تقليص نفوذه ومنعه من استغلال الظروف الحالية لتوسيع نفوذه»، كان يقول بصراحة إن أميركا فشلت في مسعاها لأن الهدف لم يتحقق.

ولكن ما هو أهم اليوم، أن تخلي الدول العربية ودول العالم عن لبنان في محنته، يقدم من جديد فرصة لـ«حزب الله» على «طبق من ذهب».

بدأ عصر جديد في لبنان عام 1982 عندما اجتاحته إسرائيل، مما سرَّع ظهور «حزب الله» تحت مسمى «المقاومة الإسلامية في لبنان».

وبوصول السيد موسى الصدر إلى لبنان وإنشائه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عام 1967 ومجلس الجنوب للإعمار عام 1970 وإعلان ولادة «حركة المحرومين – أمل» عام 1975، بدأت المسيرة المسلحة التي دعمها وصول الإمام الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979.

بدأ «حزب الله» مسيرته الجهادية ضد إسرائيل حتى فرض انسحابها عام 2000، وانخرط في بناء البنى التحتية في البقاع وجنوب لبنان.

وبفعله ذلك، ملء بعض الفراغات الكبيرة التي قصرت الدولة عن القيام بها تجاه جميع اللبنانيين.

وقد ساهم الحزب في بناء الآبار الإرتوازية وفتح الطرق وإعطاء المساعدات الغذائية للفقراء والمساهمة في إعادة إعمار ما هدمته حروب إسرائيل وخصوصاً بعد حرب عام 2006 المدمرة.

في تلك الأثناء، كان لبنان بدأ مسيرة أخرى منذ عام 1990 أي بعد انتهاء الحرب الأهلية، قامت على دولرة الاقتصاد، الذي استخدم الدولار في شكل متوازٍ مع العملة المحلية، واعتمد على الاستيراد وأهمل كلياً مسألة الإنتاج المحلي.

هذه السياسة أثبتت فشلها، إذ انهار الاقتصاد بعد أعوام طويلة من الفساد والرشوة وغياب الرؤية الإستراتيجية المالية والاقتصادية.

وفقدت العملة اللبنانية أخيراً أكثر من 90 في المئة من قيمتها الشرائية وأقفلت المصارف أبوابها أمام أصحاب الحسابات لتمنعهم من استخدام مدخراتهم مما سبب غضباً شعبياً عارماً.

ولم يقتصر الأمر على هذا النحو، بل فُقدت الأدوية من الصيدليات وتدنت الخدمات الصحية إلى أدنى مستوى، وفقدت مادة البنزين والمازوت لتنشط السوق السوداء لبيع المواد الأساسية بأسعار خيالية لا يستطيع معظم اللبنانيين شراءها. وارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى درجة أصبح مستوى الفقر في معدلات غير مسبوقة.

إزاء هذا الواقع، تدخل «حزب الله» لملء مستودعات استحدثها بالمواد الغذائية المرسلة من إيران.

وقدم بطاقات (نحو 150000) للعائلات المعوزة التي صارت تستطيع الحصول على احتياجاتها الشهرية، وفقاً لأعداد أفراد الأسرة الواحدة، بغية دفع الجوع عنها في ظل غياب دور الدولة التي وجدت نفسها عاجزة عن السيطرة على قرارات المصرف المركزي.

وبدأ الحزب بتقديم خدمات طبية عبر مؤسسات تابعة له مثل «الإمداد» و«مؤسسة الشهيد».

وانخرط في تحسين البيئة عبر اتحاد البلديات في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.

وهو يقدم مساعدة للقوى الأمنية والقضائية وللحراسات الليلية منعاً للسرقات التي ارتفع معدلها في ظل الوضع الاقتصادي الحرج، إضافة إلى دعمه مكافحة المخدرات وملاحقة الجريمة في المناطق التي يوجد بها.

ووعد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بتقديم مادة البنزين والمشتقات النفطية إذا لم تحل الأزمة التي تسببت بطوابير طويلة على المحطات وإذا لم تتغير السياسة النقدية ويفرج مصرف لبنان عن الاعتمادات اللازمة لشراء المادة الضرورية للتنقل.

وقال بصراحة إن إيران توافق على بيع لبنان المحروقات بالليرة اللبنانية. إلا أن لا أحد في لبنان يجرؤ على إغضاب أميركا وشراء النفط من إيران حتى على حساب إغضاب الشعب وإبقائه دون المادة الحيوية.

وتالياً، فإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن خزائن «حزب الله» ستمتلئ بالأموال من جراء إحضار مادة البنزين والفيول أكثر مما هي تمتلئ الآن من بيع المواد الغذائية والخدمات الطبية التي تقدمها طهران لحليفها في لبنان.

هذا يعني أن الانهيار المتمادي في سعر صرف الليرة وتناسل الأزمات ومشاهدة «حزب الله» يتخلى شيئاً فشيئاً عن استلام الأموال من مموله الرئيسي، سيكون وقعه إيجابياً على الحزب وبيئته الحاضنة، ويمكنه تالياً من «كسب القلوب» إذا ما قدم خدمات فشلت الدولة عن تأمينها.

كل محاولات أميركا وأموالها التي صرفت في لبنان ذهبت إلى جماعات موالية لها وليس لمقارعة «حزب الله»، وتالياً فإن واشنطن، بحصارها على سورية (تؤثر العقوبات في شكل مباشر على لبنان) وبدعمها حلفاء تدور شبهات حول تورطهم في الفساد واستمرارها في محاصرة «حزب الله»، فإنها تحصد النتيجة العكسية تماماً.

لم تتعلم الدول العظمى من التاريخ الذي يعيد نفسه: فاحتلال أفغانستان والعراق وجزء من سورية ومحاصرة إيران ولبنان، أعطى دفعاً نادراً للمحور الذي يرفض الهيمنة الأميركية.

وتالياً الأجدى بأميركا أن تدع المنطقة وسكانها وحكامها لشأنهم ليحلوا مشاكلهم من دون التدخل، الذي يساعد إيران على بسط نفوذها أكثر من أي وقت مضى!